فقال عز وجل: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عن نفاقهم وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني:
الميل إلى الزنى إن لم يتوبوا عن ذلك وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ يعني: الذين يخبرون بالأراجيف. وكانوا يخبرون المؤمنين بما يكرهون من عدوهم. والأراجيف: هي أول الاختيار. وأصل الرجف هو الحركة. فإذا وقع خبر الكذب فإنه يقع الحركة بالناس فسمي إرجافاً. ويقال: الأراجيف تلقح الفتنة. يعني: إن لم ينتهوا عن النفاق وعن الفجور وعن القول بالأراجيف.
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ يعني: لنسلطنك عليهم، ويقال: لنحملنك على قتلهم. وروى سفيان عن منصور بن زرين قال: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ هذا كله شيء واحد. يعني: أنه نعتهم بأعمالهم الخبيثة.
ثُمَّ لاَ يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا يعني: لا يساكنوك في المدينة إلا قليلاً حتى أهلكهم.
ويقال: إلا جواراً قليلاً. ويقال: إلا قليلاً منهم. وقال قتادة: إن أناساً من المنافقين أرادوا أن يُظْهِرُوا نفاقهم فنزلت هذه الآية.
ثم قال عز وجل: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا يعني: يجعلهم ملعونين أينما وجدوا. فأوجب الله تعالى لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا وأدركوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا فلما سمعوا بالقتل، انتهوا عن ذلك.
قوله عز وجل: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ يعني: سنة الله في الزناة القتل.
ويقال: هذا سنة الله في الذين مضوا من قبل. يعني: الذين أضمروا النفاق بأن يسلط الله عليهم الأنبياء بالقتل سُنَّةَ اللَّهِ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا يعني: مبدلا ومغيرا.
قوله عز وجل: يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ يعني: عن قيام الساعة وذلك أن رجلاً جاء إلى النبيّ ﷺ فسأله: متى الساعة؟ فقال- عليه السلام-: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» . فنزل قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ يعني: علم قيام الساعة عند الله وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً يعني: سريعاً. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: من أشراط الساعة أن يفتح القول، ويحزن الفعل، وأن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار. ومعنى يفتح الأقوال: أن يقول أفعل غداً فإذا جاء غداً، خالف قوله وقت الفعل. وأصل الفتح الابتداء، وهو أن يعد لأخيه عدة حسنة ثم يخالفه. وقال عطاء بن أبي رباح: من اقتراب الساعة مطر ولا نبات، وعلو أصوات الفساق في المساجد، وظهور أولاد الزِّنى، وموت الفجأة، وانبعاث الدويبضة يعني: السفلة من الناس. وقوله: لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ولم يقل قريبة، لأنها جعلت ظرفاً وبدلاً ولم تجعل نعتاً وصفة.
ثم قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ يعني: خذلهم وطردهم من رحمته وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً يعني: جهنم. ويقال: لعن الكافرين في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة أعد لهم سعيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا يعني: قريباً ينفعهم وَلا نَصِيراً أي: مانعاً يمنعهم من العذاب، والسعير في اللغة هو النار الموقدة.
ثم قال عز وجل: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يعني: تحول. يقول: هذا العذاب في يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يعني: تحول عن الحسن إلى القبح من حال البياض إلى حال السواد وزرقة الأعين. ويقال: تُقَلَّبُ يعني: تجدد كقوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها
[النساء: 56] فيندمون على فعلهم ويوبخون أنفسهم يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ فيما أمرنا ونهانا في دار الدنيا وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا فيما دعانا إلى الحق وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا يعني: قادتنا وأشرافنا وعظماءنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا يعني: صرفونا عن طريق الإسلام. ويقال: أضللت الطريق وأضللته عن الطريق بمعنى واحد. قرأ ابن عامر: ساداتنا.
وقرأ الباقون: سادتنا جمع سيد وساداتنا جمع الجمع.
ثم قال عز وجل: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ يعني: زدهم واحمل عليهم. يعني:
عذبهم وارفع عنا بعض العذاب، واحمل عليهم فإنهم هم الذين أضلونا وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً قرأ عاصم وابن عامر في إحدى الروايتين كَبِيراً بالباء من الكبر والعظم يعني: عذبهم عذاباً عظيماً. وقرأ الباقون: كَثِيراً من الكثرة، يعني: عذبهم عذاباً كثيراً دائماً.
{"ayahs_start":60,"ayahs":["۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا","مَّلۡعُونِینَۖ أَیۡنَمَا ثُقِفُوۤا۟ أُخِذُوا۟ وَقُتِّلُوا۟ تَقۡتِیلࣰا","سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا","یَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِیبًا","إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِیرًا","خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ لَّا یَجِدُونَ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا","یَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِی ٱلنَّارِ یَقُولُونَ یَـٰلَیۡتَنَاۤ أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠","وَقَالُوا۟ رَبَّنَاۤ إِنَّاۤ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاۤءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِیلَا۠","رَبَّنَاۤ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَیۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنࣰا كَبِیرࣰا"],"ayah":"۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا"}