الباحث القرآني

قوله عز وجل: مَّا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ يعني: بالتبني. وليس بأب لزيد بن حارثة وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ يعني: ولكنه محمد رسول الله ﷺ، ويقال: لم يكن أب الرجال لأن بنيه ماتوا صغاراً، ولو كان الرجال بنيه لكانوا أنبياء، ولا نبي بعده. فذلك قوله: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ قرأ بعضهم ولكن رَسُولَ اللَّهِ بضم اللام، ومعناه: ولكن هو رسول الله وكان خاتَمَ النَّبِيِّينَ وقرأ عاصم في إحدى الروايتين وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ بنصب التاء. وقرأ الباقون: بالكسر. فمن قرأ بالكسر يعني: آخر النبيين. ومن قرأ بالنصب فهو على معنى إضافة الفعل إليه. يعني: أنه ختمهم وهو خاتم. قال أبو عبيد: وبالكسر نقرأ لأنه رويت الآثار عنه أنه قال «أَنَا خَاَتَمُ النَّبِيِّين» فلم يسمع أحد من فقهائنا يروون إلا بكسر التاء. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً بمن يصلح للنبوة، وبمن لا يصلح. فإن قيل: كيف يظن برسول الله ﷺ أنه يظهر من نفسه، خلاف ما في قلبه. قيل له: يجوز مثل هذا لأن في قوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف وفيه ردّ النفس عما تهوى. وهذا عمل الأنبياء والصالحين- عليهم السلام-. وقال بعضهم: للآية وجه آخر وهو إن الله تعالى قد أخبر النبيّ ﷺ أنها تكون زوجته. فلما زوّجها من زيد بن حارثة لم يكن بينهما ألفة. وكان النبيّ ﷺ ينهاه عن الطلاق، ويخفي في نفسه ما أخبره الله تعالى. وقال: بأنها تكون زوجته. فلما طلقها زيد بن حارثة، كان يمتنع من تزوجها، خشية مقالة الناس، يتزوج امرأة ابنه المتبنى به. فأمره الله عز وجل بأن يتزوجها، ليكون ذلك سبب الإباحة لنكاح امرأة الابن المتبنى لأمته ونزل وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ [الأحزاب: 37] الآية. ثم قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً يعني: اذكروا الله باللسان. وروي عن النبيّ ﷺ أنه قال: «إنَّ هِذِه القُلُوبَ لَتَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الحَدِيدُ» . قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تِلاوَةُ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَكَثْرَةُ ذِكْرِهِ» . وذكر أن أعرابياً سأل النبي ﷺ فقال: إن شرائع الإسلام قد كثرت، فأنبئني منها بأمر أتشبث به. فقال: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبَاً مِنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وَجَلَّ» . ويقال: ليس شيء من العبادات أفضل من ذكر الله تعالى، لأنه قدر لكل عبادة مقداراً، ولم يقدر للذكر، وأمر بالكثرة فقال: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً يعني: اذكروه في الأحوال كلها. لأن الإنسان لا يخلوا من أربعة أحوال. إما أن يكون في الطاعة، أو في المعصية، أو في النعمة، أو في الشدة. فإذا كان في الطاعة ينبغي أن يذكر الله عز وجل بالإخلاص، ويسأله القبول والتوفيق. وإذا كان في المعصية ينبغي أن يذكر الله عز وجل بالامتناع عنها، ويسأل منه التوبة منها والمغفرة. وإذا كان في النعمة يذكره بالشكر وإذا كان في الشدة يذكره بالصبر. ثم قال تعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا يعني: غدواً وعشياً. يعني: صلوا لله بالغداة والعشي. يعني: الفجر والعصر. ويقال: بالغداة. يعني: صلوا أول النهار وهي صلاة الفجر وَأَصِيلًا يعني: صلوا آخر النهار، وأول النهار. وهي صلاة الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء. ثم قال عز وجل: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ يقول: هو الذي يرحمكم ويغفر لكم وَمَلائِكَتُهُ أي: يأمر الملائكة- عليهم السلام- بالاستغفار لكم لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ يعني: أخرجكم من الكفر إلى الإيمان ووفّقكم لذلك. اللفظ لفظ المستأنف، والمراد به الماضي يعني: أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ونّور قلوبكم بالمعرفة. ويقال: معناه ليثبتكم على الإيمان ويمنعكم عن الكفر. ويقال: لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ يعني: من المعاصي إلى نور التوبة، والطهارة من الذنوب. ويقال: من ظلمات القبر إلى نور المحشر. ويقال: من ظلمات الصراط إلى نور الجنة. ويقال: من ظلمات الشبهات إلى نور البرهان والحجة. ثم قال: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً يعني: بالمصدقين الموحدين رَحِيماً يرحم عليهم. ثم قال عز وجل: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ قال مقاتل: يعني: يلقون الرب في الآخرة بسلام. وقال الكلبي: تجيبهم الملائكة- عليهم السلام- على أبواب الجنة بالسلام. فإذا دخلوها، حيَّا بعضهم بالسلام. وتحية الرب إياهم حين يرسل إليهم بالسلام. ويقال: يعني: يسلم بعضهم على بعض. ويقال: يسلمون على الله تعالى. وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً يعني: جزاءً حسناً في الجنة. ويقال: مساكن في الجنة حسنة. قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً يعني: شهيداً على أمتك بالبلاغ وَمُبَشِّراً بالجنة لمن أطاع الله في الآخرة وفي الدنيا بالنصرة وَنَذِيراً من النار يعني: مخوفاً لمن عصى الله عز وجل وَداعِياً إِلَى اللَّهِ يعني: أرسلناك داعياً إلى توحيد الله ومعرفته بِإِذْنِهِ يعني: بأمره وَسِراجاً مُنِيراً يعني: أرسلناك بسراج منير، لأنه يضيء الطريق. فهذه كلها صارت نصباً لنزع الخافض. ثم قال عز وجل: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يعني: بشّر يا محمد المصدقين بالتوحيد بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً في الجنة. وذلك أنه لما نزل قوله عز وجل: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 20] فقال المؤمنون: هذا لك. فما لنا؟ فنزل قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [النساء: 138] في الجنة فلما سمع المنافقون ذلك قالوا فما لنا فنزل وبَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [النساء: 138] . ثم رجع إلى ما ذكر في أول السورة فقال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ من أهل مكة وَالْمُنافِقِينَ من أهل المدينة وَدَعْ أَذاهُمْ أي: تجاوز عن المنافقين، ولا تقتلهم. ويقال: ودع أذاهم يعني: اصبر على أذاهم. وإن خوفك شيء منهم فتوكل على الله يعني: فوض أمْرك إلى الله. وروى الأعمش عن سفيان بن سلمة عن ابن مسعود. وقال: قسم رسول الله ﷺ قسمة. فقال رجل من الأنصار: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فأخبر بذلك، فاحمر وجهه، فقال: «رَحِمَ الله أخِي مُوَسى- عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبَر» . ثم قال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يعني: حافظاً نصيرا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب