الباحث القرآني

قوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وذلك أنه رأى منهن الميل إلى الدنيا، وطلبن منه فضل النفقة إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها يعني: وزهرتها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ متعة الطلاق وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا يعني: أطلقكن طلاق السنة من غير إضرار. قوله عز وجل: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني: تطلبن رضي الله ورضى رسوله وَالدَّارَ الْآخِرَةَ يعني: الجنة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً يعني: ثواباً جزيلاً في الجنة. فاعتزل النبيّ ﷺ نساءه شهراً. فلما نزلت هذه الآية، جمع نساءه. فبدأ بعائشة فقال: «يا عَائِشَةُ إنِّي أُرِيدُ أنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أمْراً أُحِبُّ أَنْ لا تَعْجَلي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ» . قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية. فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة. ثم خيّر نساءه فاخترنه سائر النساء. ثم قال عز وجل: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يعني الزنى يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ يعني: تعاقب مثلي ما يعاقب غيرها. ويقال: الجلد والرجم، وهذا قول الكلبي. ويقال: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يعني: بمعصية، يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضعفين. لأن كرامتهن كانت أكثر. فجعل العقوبة عليهن أشد. وهذا كما روي عن سفيان بن عيينة أنه قال: يغفر للجاهل سبعون ما لا يغفر للعالم واحد. ثم قال: وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يعني: هيّناً. قرأ ابن كثير وعاصم في إحدى الروايتين مُبَيِّنَةٍ بنصب الياء. وقرأ الباقون: بالكسر. وقرأ ابن كثير وابن عامر: نُضَعِّفْ بالنون وتشديد العين، - لها العذابَ- بنصب الباء، ومعناه: لها العذاب. وقرأ أبو عمرو: يضعّف بالياء والتشديد وضم الباء في العذاب على معنى فعل ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون: يُضاعَفْ وهما لغتان. والعرب تقول: تضعف الشيء وضاعفه. ثم قال: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أي: تطع منكن الله ورسوله وَتَعْمَلْ صالِحاً يعني: تعمل بالطاعات فيما بينها وبين ربّها نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ يعني: ثوابها ضعفين وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً يعني: ثواباً حسناً في الجنة. قرأ حمزة والكسائي: وَيَعْمَلْ صالحا بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. فمن قرأ بالياء فللفظ مَنْ لأن لفظها لفظ واحد مذكر. كما اتفقوا في قوله: وَمَنْ يَقْنُتْ. ومن قرأ بالياء ذهب إلى المعنى، وصار منكن فاصلاً بين الفعلين. وقرأ حمزة والكسائي يؤتها بالياء يعني: يؤتها الله. وقرأ الباقون بالنون على معنى الإضافة إلى نفسه. ثم قال عز وجل: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ يعني: لستنّ كسائر النساء. فقال: لستن كأحد. ولم يقل: كواحد. لأن لفظ الأحد يصلح للواحد والجماعة، وأما لفظ الواحد لا يصلح إلا للواحد. ثم قال عز وجل: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ يعني: إن اتقيتن المعصية وأطعتن الله ورسوله فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ يعني: لا تلنَّ بالقول. ويقال: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فأنتن أحق الناس بالتقوى وتم الكلام. ثم قال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ يعني: لا ترفقن بالقول وهو اللين من الكلام. ومعلوم أن الرجل إذا أتى باب إنسان والرجل غائب، فلا يجوز للمرأة أن تلين القول معه. ثم قال: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ يعني: فجوز. وقال عكرمة هو شهوة الزنى. ويقال: الميل إلى المعصية وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً يعني: صحيحاً جميلاً. ويقال: قولاً حسناً يعني: ليناً. ويقال: لا يقلن باللين فيفتن، ولا بالخشن فتؤذين وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً بين ذلك. قال عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ قرأ نافع وعاصم وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ بالنصب. والباقون: بالكسر. فمن قرأ بالكسر فمعناه: اسكن في بيوتكنَّ بالوقار. وهو من وقر يقر وقاراً. ويقال: هو من التقرير. ويقال: قر يقر وأصلهُ قررن. ولكن المضاعف يراد به التخفيف. فحذف إحدى الراءين للتخفيف. فلما طرحوا إحدى الراءين، استثقلوا الألف ولم تكن أصلية، وإنما دخلت للوصل. فحذفت الألف. ومن قرأ وَقَرْنَ بنصب القاف لا يكون إلا للتقرير. ثم قال: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى يعني: لا تتزين كتزين الجاهلية الأولى. والتبرج إظهار الزينة. ويقال: التبرج: الخروج من المنزل. والْجاهِلِيَّةِ الْأُولى قال الكلبي: يعني: الأزمنة التي ولد فيها إبراهيم- عليه السلام-. فكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتخذ الدروع من اللؤلؤ، ثم تمشي وسط الطريق. وكان ذلك في زمن النمرود الجبار. وروي عن الحكم بن عيينة قال الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى كانت بين نوح وآدم- عليهما السلام-. وكانت نساؤهم أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم حسان. وكانت المرأة تريد الرجل على نفسها. وروى عكرمة عن ابن عباس أن الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى كانت بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة. وقال مقاتل: الجاهلية الأولى كانت قبل خروج النبيّ ﷺ. وإنما سمى جاهلية الأولى لأنه كان قبله. ثم قال: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ يعني: أتممن الصلوات الخمس وَآتِينَ الزَّكاةَ يعني: إن كان لكن مال وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما ينهاكن وفيما يأمركن إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ يعني: الإثم. وأصله في اللغة كل خبيث من المأكول وغيره. أَهْلَ الْبَيْتِ يعني: يا أهل البيت وإنما كان نصباً للنداء. ويقال: إنما صار نصباً للمدح. ويقال: صار نصباً على جهة التفسير، فكأنه يقول: أعني أهل البيت. وقال: عَنْكُمُ بلفظ التذكير، ولم يقل: عنكن لأن لفظ أهل البيت يصلح أن يذكر ويؤنث. قوله وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً يعني: من الإثم والذنوب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب