الباحث القرآني

قوله عز وجل: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ يعني: أتاكم المشركون من فوق الوادي. يعني: طلحة بن خويلد الأسدي وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ من قبل المغرب وهو أبو الأعور السلمي. ويقال: مِنْ فَوْقِكُمْ أي: من قبل المشرق، مالك بن عوف، وعيينة بن حصن الفزاري، ويهود بني قريظة. وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أبو سفيان. فلما رأى ذلك قالوا: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ يعني: شخصت الأبصار فوقاً يعني: أبصار المنافقين، لأنهم أشد خوفاً كأنهم خشب مسندة وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ خوفاً، هذا على وجه المثل. ويقال: اضطراب القلب يبلغ الحناجر. ويقال: إذا خاف الإنسان، تنتفخ الرئة، وإذا انتفخت الرئة، يبلغ القلب الحنجرة. ويقال للجبان: منتفخ الرئة. وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا يعني: الإياس من النصرة. يعني: ظننتم أن لن ينصر الله عز وجل محمدا ﷺ، قرأ ابن كثير والكسائي وعاصم في رواية حفص: الظنون بالألف عند الوقف، ويطرحونها عند الوصل. وكذلك في قوله وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [الأحزاب: 66] فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب: 67] وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: بالألف في حال الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف في الحالتين جميعاً. فمن قرأ بالألف في الحالين، فلاتباع الخط. لأن في مصحف الإمام وفي سائر المصاحف بالألف. ومن قرأ بغير ألف فلأن الألف غير أصلية، وإنما يستعمل هذه الألف الشعراء في القوافي. وقال أبو عبيدة: أحب إلي في هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليها بالألف، ليكون متبعاً للمصحف، واللغة. ثم قال عز وجل: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ يعني: عند ذلك اختبر المؤمنون. يعني: أمروا بالقتال والحضور. وكان في ذلك اختباراً لهم وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً أي: حركوا تحريكاً شديداً واجتهدوا اجتهاداً شديداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وهم لم يقولوا رسول الله، وإنما قالوا باسمه. ولكن الله عز وجل ذكره بهذا اللفظ. قوله عز وجل: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يعني: جماعة من المنافقين يا أَهْلَ يَثْرِبَ يعني: يا أهل المدينة وكان اسم المدينة يثرب، فسماها رسول الله ﷺ المدينة لاَ مُقامَ لَكُمْ قرأ عاصم في رواية حفص: بضم الميم. وقرأ الباقون: بالنصب. فمن يقرأ بالضم فمعناه لا إقامة لكم. ومن قرأ بالنصب، فهو بالمكان أي: لا مكان لكم تقومون فيه، والجمع المقامات. وكان أبو عبيدة يقرأ بالنصب، لأنه يحتمل المقام والمكان جميعاً. يعني: أن المنافقين قالوا: خوفاً ورعباً منهم: لا مقام لكم عند القتال. فَارْجِعُوا يعني: فانصرفوا إلى المدينة وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ وهم بنو حارثة وبنو سلمة، وذلك أن بيوتهم كانت من ناحية المدينة يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني: ضائعة، نخشى عليها السراق. ويقال: معناه أن بيوتنا مما يلي العدو، وإنا لا نأمن على أهالينا. وقال القتبي: أصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ. وكان الرجال ستراً وحفظاً للبيوت. فقالوا: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني: خالية والعرب تقول: اعور منزلك أي: إذا سقط جداره. يقول الله تعالى: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ لأن الله عز وجل يحفظها، يعني: وما هي بخالية إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً أي: ما يريدون إلا فراراً من القتال. ثم قال: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها يعني: لو دخل العسكر من نواحي المدينة ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ يعني: دعوهم إلى الشرك لَآتَوْها قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: لاَتَوْهَا بالهمزة بغير مد. وقرأ الباقون: بالهمز والمد. فمن قرأ بالمد لَآتَوْها يعني: لأعطوها. ومن قرأ بغير مد معناه صاروا إليها وجاءوها وكلاهما يرجع إلى معنى واحد يعني: لو دعوا إلى الشرك لأجابوا سريعاً. وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً أي: وما تحسبوا بالشرك إلا قليلاً. يعني: يجيبوا سريعاً. ويقال: لو فعلوا ذلك لم يلبثوا بالمدينة إلا قليلاً. ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ يعني: من قبل قتال الخندق حين كان النبيّ ﷺ بمكة، خرج سبعون رجلاً من المدينة إلى مكة. فخرج إليهم رسول الله ﷺ ليلة العقبة إلى السبعين، فبايعهم وبايعوه. فقالوا للنبي ﷺ: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ ولا تُشْرِكُوا بهِ شَيْئاً وأشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا مَنَعْتُمْ به أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلادَكُمْ» . فقالوا: قد فعلنا ذلك. فما لنا؟ قال- عليه السلام-: «لكم النصرة في الدنيا، والجنة في الآخرة» . قالوا: قد فعلنا ذلك، فذلك قوله: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ منهزمين وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا يعني: يسأل في الآخرة من ينقض العهد. قوله عز وجل: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي: لا تؤجلون إلا يسيراً، لأن الدنيا كلها قليلة. ثم قال عز وجل: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ يعني: يمنعكم من قضاء الله وعذابه إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً يعني: القتل أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي: عافية. ويقال: سُوءاً يعني: الهزيمة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعني: خيراً. وهو النصر. يعني: من يقدر على دفع السوء عنكم وجر الخير إليكم وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً يعني: قريباً ومانعا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب