الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادة خلقه الْحَمِيدُ في فعاله. ويقال: حميد أي: محمود. يعني: يحمد ويشكر. قوله عز وجل: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الآية. قال قتادة: ذلك أن المشركين قالوا: هذا كلام يوشك أن ينفد وينقطع. فنزل قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ الآية. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: إن اليهود أعداء الله. سألوا رسول الله ﷺ عن الروح فنزل قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) [الإسراء: 85] قالوا: كيف تقول هذا وأنت تزعم أن من أوتي الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كثيراً. فكيف يجتمع علم قليل وخير كثير؟ فنزل وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ يقول: لو أن الشجر تبرى وتجعل أقلاماً وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ تكون كلها مداداً، يكتب بها علم الله عز وجل، لانكسرت الأقلام، ولنفد المداد، ولم ينفد علم الله تعالى. فما أعطاكم الله من العلم قليل فيما عنده من العلم. قرأ أبو عمرو: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ بنصب الراء. وقرأ الباقون: بالضم. فمن قرأ بالنصب نصبه. لأنّ معناه: ولو أن ما فى الارض وأن البحر يمده. ومن قرأ بالضم: فهو على الاستئناف وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ يعني: أمد إلى كل بحر مثله ما نفدت مَّا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ يعني: علمه وعجائبه. ويقال: معاني كلمات الله. لأن لكل آية ولكل كلمة من المعاني ما لا يدرك ولا يحصى. ويقال: مَّا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ لأن كلمات الله لا تدرك ما تكلم به في الأزل سبحانه وتعالى. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ عزيز بالنعمة على الكافر، حكيم حكم أنه ليس لعلمه غاية، وأن العلم للخلق غاية. ثم قال عز وجل: مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ قال مقاتل: نزلت في أبي بن خلف وابني أسد منبه ونبيه كلاهما ابني أسد قالوا: إن الله عز وجل خلقنا أطواراً، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم يقول: إنه بعث في ساعة واحدة، فقال الله عزَّ وَجَلَّ: مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ أيها الناس جميعاً. يقال: هاهنا مضمر. فكأنه يقول: إلا كخلق نفس واحدة، وكبعث نفس واحدة. ويقال: معناه قدرته على بعث الخلق أجمعين، وعلى خلق الخلق أجمعين، كقدرته على خلق نفس واحدة. ويقال: كَنَفْسٍ واحِدَةٍ أي: إلا كخلق آدم عليه السلام. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لمقالتهم بَصِيرٌ بهم. قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ يعني: انتقاص كل واحد منها بصاحبه. ويقال: يدخل الليل في النهار، والنهار في الليل وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يعني: ذللهما لبني آدم كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني: يجريان في السماء إلى يوم القيامة، وهو الأجل المسمى. ويقال: يجري كل واحد منهما إلى أجله في الغروب، حتى ينتهى إلى وقت نهايته وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. روي عن أبي عمرو في إحدى الروايتين أنه قرأ يعلمون بالياء بلفظ المغايبة. وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة. ثم قال عز وجل: ذلِكَ يعني: هذا الذي ذكر من صنع الله عز وجل بالنهار والليل والشمس والقمر بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ يعني: ليعلموا أن الله هو الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ يعني: من الآلهة لاَّ يَقْدِرُونَ على شَىْء من ذلك يعني: لا تنفعهم عبادتها. قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: وإنما يَدْعُونَ بالياء على معنى الخبر عنهم. وقرأ الباقون: بالتاء على معنى المخاطبة لهم. ثم عظّم نفسه فقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ يعني: ليعلموا أن الله هو الرفيع الكبير. يعني: العظيم، وهو الذي يعظم ويحمد. ثم بيّن قدرته فقال عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ يعني: السفن تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ أي: برحمة الله لمنفعة الخلق لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يعني: من علامات وحدانيته. ويقال: من عجائبه. إِنَّ فِي ذلِكَ يعني: إن الذي ترون في البحر لَآياتٍ يعني: لعبارات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ على أمر الله عز وجل عند البلاء. ويقال: الذي يصبر في الأحوال كلها، شكورا لله عز وجل في نعمه. ويقال: لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعني: لكل مؤمن موحد. وإنما وصفه بأفضل خصلتين في المؤمن، لأن أفضل خصال المؤمن: الصبر والشكر. والصبار هو للمبالغة في الصبر. والشكور على ميزان فعول هو للمبالغة في الشكر. وروي عن قتادة أنه قال: إن أحب العباد إلى الله من إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. فأعلم الله عز وجل أن المتفكر المعتبر في خلق السموات والأرض هو الصبار والشكور. قوله عز وجل: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ يعني: أتاهم موج، كما يقال: من غشي سدد السلطان يجلس ويقم. ويقال: علاهم. ويقال: غطاهم موج كالظلل يعني: كالسحاب. ويقال: كالجبال، وهو جمع ظلة. يعني: يأتيهم الموج بعضه فوق بعض وله سواد لكثرته. دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني: أخلصوا له بالدعوة فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ يعني: إلى القرار فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يعني: فمنهم من يؤمن، ومنهم من يكفر ولا يؤمن. ثم ذكر المشرك الذي ينقض العهد فقال تعالى: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا يعني: لا يترك العهد إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ يعني: غدار بالعهد. كفور لله عز وجل في نعمه. وقال القتبي: الختر أقبح الغدر. كَفُورٍ على ميزان فعول. وإنما يذكر هذا اللفظ إذا صار عادة له كما يقال: ظلوم. وقد ذكر الكافر بأقبح خصلتين فيه، كما ذكر المؤمن بأحسن خصلتين فيه وهو قوله: صَبَّارٍ شَكُورٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب