الباحث القرآني

فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتى فشّبه الكفار بالموتى. فكما لا يسمع الموتى النداء، فكذلك لا يجيب، ولا يسمع الكفار الدعاء، إذا دعوا إلى الإيمان وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ يعني: أن الأصم إذا كان مقبلاً لا يسمع، فكيف إذا ولى مدبراً؟ فكذلك الكافر لا يسمع إذا كان يتصامم عند القراءة، والقراءة ذكرناها في سورة النمل. ثم قال عز وجل: وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ إلى الإيمان عَنْ ضَلالَتِهِمْ يعني: لا تقدر أن توفقه وهو لا يرغب عن طاعتي في طلب الحق إِنْ تُسْمِعُ يعني: ما تسمع إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا يعني: بالقرآن فَهُمْ مُسْلِمُونَ يعني: مخلصون. ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليعتبروا ويتفكروا فيه فقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ يعني: من نطفة. ويقال: صغيراً لا يعقل ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً يعني: شدة بتمام خلقه ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً يعني: بعد الشباب الهرم وَشَيْبَةً أي: شمطاً. قرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: من ضعف بنصب الضاد. وقرأ الباقون: من ضعف بالضم. وهما لغتان ومعناهما واحد. يَخْلُقُ مَا يَشاءُ أي: يحول الخلق كما يشاء من الصورة وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ الْعَلِيمُ بتحويل الخلق، الْقَدِيرُ يعني: القادر على ذلك. قوله عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ يعني: يحلف المشركون مَا لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ في الدنيا. يقول الله عز وجل: كذلك كانوا يكذبون بالبعث كما أنهم كذبوا حيث قالوا مَا لَبِثُوا يعني في القبور غير ساعة ويقال: كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ لأنهم يقولون مرة: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً [طه: 103] ومرة يقولون: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف: 119] ومرة يقولون: مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ فيقول الله تعالى: هكذا كانوا في الدنيا. ثم قال عز وجل: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ يعني: أكرموا بالعلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ أي: في علم الله. ويقال: فيما كتب الله عز وجل. وقال مقاتل: في الآية تقديم. يعني: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ في كتاب الله وَالْإِيمانَ وهو ملك الموت لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ. ويقال: الذين أوتوا العلم بالكتاب وأوتوا الْإِيمانَ وهم العلماء. ثم قال: فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ يعني: لا تصدقون بهذا اليوم في الدنيا. ثم قال عز وجل: فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني: أشركوا مَعْذِرَتُهُمْ قرأ ابن كثير وأبو عمر: وَلاَ تَنفَعُ بالتاء بلفظ التأنيث، لأن لفظ المعذرة مؤنثة. وقرأ الباقون: بالياء، فينصرف إلى المعنى يعني: عذرهم وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ يقال: عتب يعتب إذا غضب عليه، وأعْتَبَ يُعْتِبُ إذا رجع عن ذنبه، واستعتب إذا طلب منه الرجوع. يعني: أنه لا يطلب منهم الرجوع في ذلك اليوم ليرجعوا. ثم قال عز وجل: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ يعني: وصفنا وبيّنّا فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي: شبه وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ كما سألوا لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: المشركون من أهل مكة إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ يعني: يقولون ما أنت إلا كاذب، وليس هذا من الله عز وجل، كما كذبوا بانشقاق القمر. يقال: أبطل الرجل إذا جاء بالباطل. وأكذب إذا جاء بالكذب. فقال: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ يعني: كاذبون. ثم قال: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ يعني: يختم الله عَزَّ وَجَلَّ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ يعني: لا يصدقون بالقرآن وبمحمد ﷺ فَاصْبِرْ يا محمد إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فيما وعد لكم من النصر على عدوكم، وإظهار دين الإسلام حق. ويقال: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ يعني: صدق في العذاب وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ يعني: يستنزلنك عن البعث الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ أي: لا يصدقون. ويقال: وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ يعني: لا يحملنك تكذيبهم على الخفة. يعني: كن حليماً، صبوراً، وقوراً. ويقال: لا يَسْتَخِفَّنَّكَ فتدعو عليهم بتعجيل العذاب، فيهلك الذين لا يوقنون بالعذاب، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب