قوله عز وجل: إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ يعني: لا ترشد من أحببته إلى الهدى.
ويقال: من أحببت هدايته إلى دينك، وذلك أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه رسول الله ﷺ، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أمية، فقال له رسول الله ﷺ: «يَا عَمَّاهُ قُلْ لا إله إِلا الله كَلِمَةٌ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله تَعَالَى» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا به يكلمانه ويكلمه النبيّ ﷺ حتى مات على الكفر، فنزل إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ بهدايته وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ يعني: يرشد من يشاء إلى دينه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعني: بمن قدر له الهدى.
قوله عز وجل: وَقالُوا يعني: مشركي مكة إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ يعني: الإيمان بك نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا يعني: نسبى ونخرج من مكة لإجماع العرب على خلافنا، وهذا قول الحارث بن عامر النوفلي حين قال للنبي ﷺ: ما كذبت كذبة قط، فنتهمك اليوم، ولكن متى ما نؤمن بك تختلسنا العرب من أرضنا. يقول الله تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يعني: أو لم ننزلهم مكة حرماً آمناً يعني: كان الحرم أمناً لهم في الجاهلية من الغارة والسبي، وهم يعبدون غيري، فكيف يخافون إن أسلموا أن لا يكون الحرم أمناً لهم؟ فذلك قوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ يعني أو لم ننزلهم مكة حرماً آمناً من الغارة والسبي يُجْبى إِلَيْهِ بالتاء يعني: يحمل إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ أي: من ألوان الثمرات مؤنثه قرأ نافع تجبى بالتاء لأن الثمرات مؤنثة.
وقرأ الباقون بالياء لتقديم الفعل. ثم قال: رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا يعني: من عندنا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ يأكلون رزقي، ويعبدون غيري، وهم آمنون في الحرم، ويقال: لا يعلمون أن ذلك مِن فَضْلِ الله عليهم.
{"ayahs_start":56,"ayahs":["إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ","وَقَالُوۤا۟ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَاۤۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنࣰا یُجۡبَىٰۤ إِلَیۡهِ ثَمَرَ ٰتُ كُلِّ شَیۡءࣲ رِّزۡقࣰا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ"}