قوله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ يعني: بيّنّا لكفار مكة لهم في القرآن من خبر الأمم الماضية كيف عذبوا لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ لكي يخافوا فيؤمنوا بما في القرآن ويقال: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ يعني: أرسلنا لهم الكتب بعضها ببعض، يعني بعثنا بعضها على إثر بعض. ويقال:
وَلَقَدْ وَصَّلْنا أي: أوصلنا لهم القول. يعني: أنزلنا لهم القرآن آية بعد آية هداية، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يعني: لكي يتعظوا.
ثم وصف مؤمني أهل الكتاب فقال: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ يعني: من قبل القرآن هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ يعني: مؤمني أهل الكتاب، وهم أربعون رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين قبل أن يبعث محمد ﷺ: اثنان وثلاثون من أهل أرض الحبشة قدموا مع جعفر الطيار، وثمانية من أهل الشام. ويقال: إنهم ثمانية عشر رجلاً وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني: القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ أي صدقنا إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا يعني: القرآن، وذلك أنهم عرفوا بما ذكر في كتبهم من نعت النبيّ ﷺ وصفته وكتابه فقالوا: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ يعني: مِن قَبْلِ هذا القرآن، ومن قبل محمد ﷺ كنا مخلصين.
قوله عز وجل: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ يعني: يعطون ثوابهم ضعفين: مرة إيمانهم بكتابهم، ومرة بإيمانهم بالقرآن وبمحمد ﷺ بِما صَبَرُوا يعني: بصبرهم على ما أوذوا، ويقال: بصبرهم على دينهم الأول، وبصبرهم على أذى المشركين، فصدقوا وثبتوا على إيمانهم. حيث قال لهم أبو جهل وأصحابه: ما رأينا أحداً أجهل منكم، تركتم دينكم، وأخذتم دينه. فقالوا: ما لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله، فذلك قوله عز وجل: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ يعني:
يدفعون قول المشركين بالمعروف. ويقال: يدفعون الشرك بالإيمان. ويقال: يدفعون بالكلام الحسن الكلام القبيح. ويقال: يدفعون ما تقدم لهم من السيئات بما يعملون من الحسنات وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يعني: يتصدقون.
قوله عز وجل: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ يعني: إذا سمعوا الشتم والأذى والقبيح لم يردوا عليهم، ولم يكافئوهم به ولم يلتفتوا إليه، يعني: إذا شتمهم الكفار لم يشتغلوا بمعارضتهم بالشتم وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا يعني: ديننا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ يعني: دينكم سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعني: ردّوا معروفاً عليهم ليس هذا تسليم التحية، وإنما هو تسليم المتاركة والمسالمة، أي: بيننا وبينكم المتاركة والمسالمة، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال. ويقال: السلام عليكم يعني: أكرمكم الله تعالى بالإسلام لاَ نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ أي: لا نطلب دين الخاسرين، ولا نصحبهم. ويقال: هذه الآية مدنية نزلت في شأن عبد الله بن سلام.
وروى أسباط عن السدي قال: لما أسلم عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، ابعث إلى قومي فاسألهم عني. فبعث إليهم رسول الله ﷺ، وقد ستر بينهم وبينه ستراً.
وقال: «أَخْبِرُونِي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سَلامِ كَيْفَ هُوَ فِيكُمْ؟» قالوا: ذاك سيدنا وأعلمنا. قال:
«أَرَأَيْتُمْ إنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي أَتُؤْمِنُونَ بِي وَتُصَدِّقُونِي؟» قالوا: هو أفقه من أن يدع دينه ويتبعك.
قال: «أَرَأَيْتُمْ إنْ فَعَلَ؟» قالوا: لا يفعل. قال: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ فَعَلَ؟» قالوا: إنه لا يفعل، ولو فعل إذاً نفعل. فقال عليه السلام: «أخْرُجْ يا عَبْدَ الله» . فخرج. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فوقعوا فيه وشتموه وقالوا: ما فينا أحد أقل علماً ولا أجهل منك. قال: «أَلَمْ تُثْنُوا عَلَيْهِ آنِفاً؟» قالوا: إنا استحينا أن نقول اغتبتم صاحبكم، فجعلوا يشتمونه وهو يقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ فقال: ابن يامين وكان من رؤساء بني إسرائيل: أشهد أن عبد الله بن سلام صادق، فابسط يدك يا محمد، فبسط يده، فبايع ابن يامين مع رسول الله ﷺ فنزل:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ إلى قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وإلى قوله: لاَ نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [[عزاه السيوطي: 6/ 426 إلى ابن أبي حاتم.]] .
{"ayahs_start":51,"ayahs":["۞ وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ","ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ یُؤۡمِنُونَ","وَإِذَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِهِۦۤ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَاۤ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِینَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَیۡنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ","وَإِذَا سَمِعُوا۟ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُوا۟ عَنۡهُ وَقَالُوا۟ لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِی ٱلۡجَـٰهِلِینَ"],"ayah":"۞ وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"}