الباحث القرآني

قوله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ يعني: المصدقين الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ يعني: مع النبيّ ﷺ على أمر جمعهم لتدبير في أمر جهاد، أو في أمر من أمور الله تعالى فيه طاعة لَمْ يَذْهَبُوا يعني: لم يفارقوا رسول الله ﷺ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ. وذلك أن النبيّ ﷺ كان يجمعهم يوم الجمعة فيستشيرهم في أمر الغزو، فكان يثقل على بعضهم المقام، فيخرجون بغير إذنه. وقال بعضهم: نزلت في يوم الخندق، وكان بعض الناس يرجعون إلى منازلهم بغير إذن النبيّ ﷺ، وتركوه وأصحابه، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأمرهم بأن لا يرجعوا إلا بإذنه عليه السلام، وكذلك إذا خرجوا إلى الغزو لا ينبغي لأحد أن يرجع بغير إذنه. وفي الآية بيان حفظ الأدب، بأن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين ينبغي أن لا يرجعوا إلا بإذنه، وكذلك إذا خرجوا إلى الغزو، لا ينبغي لأحد أن يرجع إلا بإذنه، ولا يخالف أمر السرية. وروي عن مكحول أنه سئل عن هذه الآية وعنده عطاء، قال: «هذا في الجمعة، وفي الزحف، وفي كل أمر جامع» . ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وليسوا بمنافقين. وكان المؤمنون بعد نزول هذه الآية لم يرجعوا حتى يستأذنوا، وأما المنافقون فيرجعون بغير إذنه. ثم قال: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ يعني: لبعض أمورهم وحوائجهم فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ولا تأذن لمن شئت، لأن بعض المنافقين لم يكن لهم في الرجوع حاجة، فإن أرادوا أن يرجعوا فلا تأذن لهم، وأذن للمؤمنين. وقال مقاتل: نزلت في شأن عثمان حين استأذن في غزوة تبوك بالرجوع إلى أهله، فأذن له. ثمّ قال: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ أي فيما استأذنوك من الرجوع بغير حاجة لهم. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمن تاب رَحِيمٌ به. ثم قال عز وجل: لاَّ تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ يعني: لا تدعوا محمدا باسمه ﷺ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ولكن وقِّروه وعظموه، وقولوا: يا رسول الله، ويا نبي الله، ويا أبا القاسم. وفي الآية بيان توقير معلم الخير، لأن رسول الله ﷺ كان معلّم الخير، فأمر الله عز وجل بتوقيره وتعظيمه، وفيه معرفة حق الأستاذ، وفيه معرفة أهل الفضل. ثم ذكر المنافقين فقال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ يعني: يرى الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ يعني: يخرجون من المسجد لِواذاً يلوذ بعضهم ببعض. وذلك أن المنافقين كان يشقُّ عليهم المقام هناك يوم الجمعة وغيره، فيتسللون من بين القوم، ويلوذ الرجل بالرجل، أو بالسارية لئِلاَّ يراه النبي ﷺ حتى يخرج من المسجد. يقال: لاذ يلوذ إذا عاذ وامتنع بشيء. ويقال: معنى (لواذا) هنا معنى الخلاف، يعني: يخالفون خلافاً، فخوفهم الله تعالى عقوبته فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ يعني: عن أمر الله تعالى. ويقال: عن أمر رسول الله عليه السلام. ويقال: عَنْ زيادة في الكلام للصلة. ومعناه: يخالفون أمره إلى غير ما أمرهم به أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ يعني: الكفر، لأن أمر رسول الله ﷺ واجب، فمن تركه على وجه الجحود كفر. ويقال: فِتْنَةٌ يعني: بلية في الدنيا. ويقال: فساد في القلب. أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني: يصيبهم عذابا عظيما في الآخرة. ويقال: القتل بالسيف. ويقال: يجعل حلاوة الكفر في قلبه. وقوله: أَوْ على معنى الإفهام، لا على وجه الشك والتخيير. ثم قال عز وجل: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق عبيده وإماؤه وفي مملكته قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الاستقامة في الإيمان، والنفاق وغير ذلك. ويقال: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ من خير أو شر، فيجازيكم بذلك وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ في الآخرة فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من خير أو شر، فيجازيهم بذلك. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ من أعمالهم وأقوالهم، وبما في أنفسهم. وروي عن الأعمش، عن سفيان بن سلمة، قال: شهدت ابن عباس ولي الموسم، وقرأ سورة النور على المنبر وفسّرها، فلو سمعتها الروم لأسلمت. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: «تعلموا سورة براءة، وَعَلِّموا نساءكم سورة النور» ، والله أعلم- وصلى الله على سيدنا محمد وعلى رسله وصحبه وسلّم [[ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ» .]] -.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب