الباحث القرآني

ثم قال: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى، يعني: قد أكرمتك بكرامات قبل هذا من غير أن تسألني. ثم بيّن له الكرامات والنعم فقال: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى، أي: ألهمنا أمك ما ألهمت، ويقال: مَا يُوحى على الحجر، يعني: كان إلهاماً ولم يكن وحياً. أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ، يعني: اجعلي موسى في التابوت، ثم فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، يعني: اطرحيه في البحر. فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، يعني: شاطئ البحر. - فإن قيل: لم أمر بإلقائه في اليم؟ قيل له: إنما أمره بذلك، لأن البحر يخفي عن المنجمين ما فيه، فكان إلقاؤه لتجنيب حال موسى عليه السلام عن المنجمين، لكيلا يأخذه فرعون ويقلته. وقيل: أراد أن يكون مع الماء لكيلا يخاف وقت عبوره البحر لاحقا. وقيل: أراد الله تعالى أن يري أمّه حفظ الله تعالى له [[ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «ب» .]] . يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ، يعني: آل فرعون وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، يعني: ألقيت محبتي عليك، فكل من رآك أحبك. وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي، يقول: ما يصنع بك على منظر مني وبعلمي وبإرادتي. إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ: لآل فرعون هَلْ أَدُلُّكُمْ؟ يعني: أرشدكم عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ يعني: يضمه ويحوطه ويرضعه. فَرَجَعْناكَ، يقول: رددناك إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها يعني: لتطيب نفسها. وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ، يعني: من القود، وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً يعني: ابتليناك ببلاء بعد بلاء، ويقال: بنعمة على إثر نعمة. قال: أخبرني الثقة بإسناده، عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس، عن قول الله عز وجل لموسى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فسألته عن الفتون ما هو؟ فقال: «استأنف النهار يا ابن جبير، فإن له حديثاً طويلاً. فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس، ليخبرني ما وعدني من حديث الفتون، فقال ابن عباس: «تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله عز وجل وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون فيه. قال فرعون: فكيف ترون؟ فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشغار، يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذبحوه، ففعلوا. فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون وأن الصغار يذبحون قالوا: يوشك أن يفنى بنو إسرائيل، فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم. فاقتلوا عاماً ودعوا عاماً لا تقتلوا منهم أحدا، فنشأت الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إياكم. فأجمعوا أمرهم على ذلك. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانيةً، حتى إذا كان من قابل حملت بموسى، فوقع في قلبها من الحزن والهمّ، فذلك من الفتون يا ابن جبير. فأدخل عليه في بطن أمه ما يراد به، فأوحى الله تعالى إليها أنْ لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ يعني: أمر الله تعالى أم موسى إذا هي ولدته أن تجعله في التابوت، ثم تلقيه في اليم. فلما ولدته فَعلتَ ما أمرتَ به، حتى إذا توارى عنها ابنها أتاها الشيطان فقالت في نفسها: ما فعلت بابني، لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى دواب البحر تأكله. فانطلق به الماء حتى أرقى به عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون، فرأينه فأخذنه، فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهن لبعض: إن في هذا مالاً، وإنَّا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه. فحملنه كهيئته حتى رفعنه إليها. فلما فتحنه رأت فيه الغلام، فألقى عليه منها محبة لم يُلْقَ مثلها على أحد قط من البشر، وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً من ذكر كل شيء إلا ذكر موسى. فلما سمع الذباحون بأمره، أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جبير. فقالت للذباحين: اصبروا عليّ، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل لا ينقص فآتي به فرعون فأستوهبه منه إياه. فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم أنهكم. فلما أتت فرعون به قالت: قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً. فقال فرعون: يكون لك، فأما لي فلا حاجة لي فيه» . فقال ابن عباس: قال رسول الله ﷺ: «وَالَّذِي يَحْلِفُ بهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ بِأنْ يَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ لَهَدَاهُ الله عز وجل بِمُوسَى. كَمَا هَدَى بهِ امْرَأَتَهُ» . قال: «فأرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار له ظِئراً، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل من ثديها، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فأحزنها ذلك، ثم أمرت به فأخرج إلى السوق واجتمع الناس ترجو أن تجد له ظئراً تأخذه منها، فلم يقبل، فأصبحت أم موسى والهة، فقالت لأخته: قصي أثره فاطلبيه، هل تسمعين له ذكراً أحيٌّ ابني أم قد أكلته الدواب في البحر؟ فبصرت به عن جنب، أي: عن بعد، والجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد، وهي إلى جنبه لا تشعر به فَقَالَتْ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ [القصص: 12] فقالوا: وما يدريك ما نصحهم له، وهل يعرفونه؟ حتى شكوا في ذلك. وذلك من الفتون يا ابن جبير. فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه، لرغبتهم في الملك ورجاء منفعته. فتركوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها بالخبر، فجاءت، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها، فمصه حتى امتلأ جنباه ريّاً، فانطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشرونها بأن قد وجدنا لابنك ظئراً، فأرسلت إليها فأتت بها وبه. فلما رأت ما يصنع بها، قالت لها: امكثي عندي ترضعين ابني، فإني لم أحب مثل حبه شيئاً قط. قالت: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي، لا آلو خيراً إلا فعلت به، وإلا فإني غير تاركةٍ بيتي وولدي. فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها، فأنجزها الله عز وجل وعده، وأنبته الله تعالى نباتاً حسناً. فلم تزل بنو إسرائيل تمتنع به من الظلم والسّخرة. فلما ترعرع أي: كبر، قالت امرأة فرعون لأم موسى: أريني ابني، فواعدتها يوماً وقالت لخزانها وقهارمتها: لا يبقى منكم أحد إلا ويستقبل ابني بهدية وكرامة. فلم تزل الهدايا والكرامات تستقبله من حيث خرج من بيت أمه إلى أن دخل إلى امرأة فرعون، فلما دخل عليها بَجَّلَتْه وأَكرمته وفرحت به وأعجبها، وبجّلت أمه لأثرها عليه. ثم قالت: لأنطلق به إلى فرعون فليبجلنَّه وليكرمنَّه. فلما دخلت به عليه جعلته في حجره، فتناول موسى لحية فرعون ومدها إلى الأرض، فقالت له الغواة من أعداء الله: ألا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم عليه السلام؟ إنه يريد أن يصرعك وينزع عنك ملكك ويهلكك، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جبير. فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت له: ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي؟ فقال: ألا ترينه، إنه سيصرعني؟ فقالت له: اجعل بينك وبينه أمراً لتعرف فيه الحق. ائت بجمرتين ولؤلؤتين، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين، علمت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين، فاعلم بأنه لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل. فقرب ذلك إليه، فتناول الجمرتين، فانتزعوهما منه مخافة أن تحرقا يديه. فلما بلغ أشده وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم ولا بسخرة. فبينما هو يمشي في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان، أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتد غضبه، فوكزه فقتله، وليس يراهما أحد إلاَّ الله عَزَّ وَجَلَّ والإسرائيلي. فأتى فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قتلوا رجلاً من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا. فقال: ائتوني بقاتله والذي يشهد عليه آخذ لكم بحقكم. فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئاً، وإذا موسى قد رأى من الغد الإسرائيلي يقاتل فرعونياً آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، وقد ندم موسى على ما كان منه بالأمس، وكره الذي رأى، فغضب على الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص: 18] فخاف الإسرائيلي، وظن أنه يريد إياه فقال: يا موسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ [القصص: 19] ، فتتاركا، فانطلق الفرعوني إلى قومه وأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر. فأرسل فرعون إلى الذباحين ليقتلوا موسى، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون موسى. وجاء رجل من شيعة موسى، فاختصر طريقاً قريباً حتى سبقهم إلى موسى، فأخبره الخبر، وذلك من الفتون يا ابن جبير. فخرج موسى متوجهاً نحو مدين، لم يلق بلاءً قبل ذلك، وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه تعالى، فإنه قال: قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ [القصص: 23] وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ [القصص: 23] . يعني: إنهما حابستان غنمهما. فقال: ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا: ليس لنا قوة نزاحم القوم، وإِنما ننتظر فضول حياضهم فنسقي، فسقى لهما موسى فجعل يغرف في الدلو ماء كثيراً حتى كان أول الرعاة فراغاً. فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما، وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها. فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفّلا فقال: إن لكما لشأناً اليوم. فحدثاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه له، فأتته فدعته. فلما دخل على شعيب عليه السلام فأخبره بالقصة قَالَ: لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 25] ، أي: ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته. قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: 26] فاحتملته الغيرة وقال: وما يدريك ما أمانته وقوته؟ فقالت: أما قوته فما رأيت مثله حين سقى لنا الماء رجلا قط أقوى من ذلك في ذلك السقي منه. وأما أمانته، فإنه لمّا نظرني حين أقبلت إِليه، صَوَّبَ رأسه ولم يرفعه، ولم ينظر إلي حين بلغته رسالتك، فقال لي: امشي خلفي وانعتي إلي الطريق، يعني: صفي لي ودليني على الطريق. فسري عن أبيها فقال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص: 27] . فكان على موسى ثمان سنين واجبة، وكانت سنتان عدة منه. فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله، كان من أمره ما قصّ الله عليك في القرآن، فشكا إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه عن كثير من الكلام، فسأل ربه أن يعينه بأخيه ليتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به. فأعطاه الله عز وجل سؤاله، وحلّ عقدة من لسانه، فاندفع موسى بالعصا فلقي هارون، فانطلقا جميعاً إلى فرعون، وأقاما على بابه حيناً لا يؤذن لهما بالدخول. ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا: إنا رسولا ربك. قال: فمن ربكما؟ فأخبراه بالذي قصّ الله عَزَّ وَجَلَّ في القرآن. فقال: مَا تُريدَانِ؟ فقال موسى: أريد أن تؤمن بالله تعالى وأن ترسل معنا بني إسرائيل. فأبى عليه ذلك، فقال: فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء: 154] . فألقى عصاه فتحولت حية عظيمة فاغرة فاها، مسرعة إلى فرعون. فاقتحم فرعون عن سريره، واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل، وأخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء، ثم أعادها إلى كمه فصارت إلى لونها الأول. فاستشار الملأ فيما رأى، فقالوا: اجمع لهما السحرة فإنهم بأرضك كثير. فأرسل فرعون في المدائن، فحشر له كل ساحر متعالم. فلما أتوا فرعون، قالوا: بمَ يعمل هذان الساحران؟ قالوا: يعملان بالحيات. فقالوا: والله ما في الأرض قوم يعملون بالحيات التي نعمل. فتواعدوا يَوْمُ الزينة، وَأَن يُحْشَرَ الناس ضحى. ويوم الزينة: هو اليوم الذي أظهر الله عز وجل موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء، فقال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر، فنتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، يعنون بذلك: موسى وهارون، استهزاءً بهما. قالت السحرة لموسى لِقُدْرَتِهِمْ بسحرهم إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف: 115] . قال لهم موسى: ألقوا. فألقوا حبالهم وعصيهم، فرأى موسى من سحرهم شيئاً عظيماً، فأوجس في نفسه خيفة، فأوحى الله تعالى إليه: أن ألق عصاك، فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيماً فاغرة فاها، فجعلت تلتقم العصي والحبال حتى ما أبقت عصاً ولا حبلاً إلا ابتلعته. فلما عرفت السحرة ذلك، قالوا: لو كان هذا ساحراً لم يبلغ من سحره كل هذا، ولكن هذا أمر من أمر الله عز وجل. فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة، أمر الله تعالى موسى بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلا. فلما أصبح فرعون، فبعث في المَدَائِن حَاشِرين، وتبعهم بجنود عظيمة، فنسي موسى أن يضرب بعصاه البحر. فلما تراءى الجمعان وتقاربا، قال قوم موسى: إنا لمدركون، افعل ما أمرك الله عز وجل. فتذكّر مُوسَى عَلَيهِ السَّلاَم مَا وعده الله عز وجل، فضرب البحر بالعصا فانفلق البحر اثنتي عشرة فرقة. فلما جاوز أصحاب موسى كلهم، ودخل أصحاب فرعون كلهم، التقى البحر عليهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق فدعا موسى ربه، فأخرجه حتى استيقنوا، فمضوا حتى أنزلهم منزلاً، ثم قال لهم: أطيعوا هارون، فإني استخلفته عليكم، وإني ذاهب إلى ربي. وأجَّلهم ثلاثين يوما وقد صامهن أي: صام موسى ليعلّمهم. وكره أن يكلمه ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول موسى من نبات الأرض شيئاً فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ وهو أعلم به. قال: يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح. قال الله عزّ وجلّ: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك؟ ارجع حتى تصوم عشرة أيام، ثم ائتني. ففعل موسى الذي أمره ربه تبارك تعالى، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل، ساءهم ذلك. وأخرج لهم السامري عجلاً جسداً، له خوار من حلي آل فرعون، فتفرق بنو إسرائيل، فقالت فرقة للسامري: ما هذا؟ قال: هذا ربكم، ولكن موسى أخطأ الطريق. فقالوا: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى. وقالت فرقة: هذا من عمل الشيطان، وليس هذا بربنا. وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق، وقال لهم هارون: إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن. فلما كلم الله عز وجل موسى، أخبره بما لقي قومه بعده، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه كما قصَّ الله عز وجل في هذه السورة، وقال: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً، يعني: اختبرناك اختباراً، ويقال: أخلصناك إخلاصاً. كما قال تعالى: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً [مريم: 51] . ثم قال عز وجل: فَلَبِثْتَ سِنِينَ، أي: عشر سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ عند شعيب عليه السلام ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى يعني: على وقت مقدور عليك يا موسى، وهذا قول ابن عباس، وقال مقاتل: عَلى قَدَرٍ أي: على ميقات، ويقال: على موعد، ويقال: على قدر من تكليمي إياك، ويقال: على قضاء قضيته، ويقال: على تمام الذي يوحى للأنبياء أربعين سنة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب