ثم قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، يعني: قم بالليل بعد النوم، والتهجد:
القيام بعد النوم روى شهر بن حوشب، عن أبي أمامة أنه قال: «كانت النافلة لرسول الله ﷺ خاصة» ، وقال مجاهد: «لم تكن النافلة إلا للنبي ﷺ، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» ويقال: نافِلَةً لَكَ، أي فضلاً لك، ويقال: خاصة لك عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال مقاتل: يعني: إن الشفاعة لأصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم، ويقال:
إخراج قوم من النار.
قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي قال: حدّثنا الحسن بن الحسين، عن عطية العوفي قال: حدّثنا أبو حنيفة، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: «يُخْرِجُ الله أقْوَاماً مِنَ النَّارِ مِنْ أهْلِ الإيمانِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فذلك المَقَامُ المَحْمُودُ، فَيُؤْتَى بِهِمْ نَهَراً يُقَالُ لَهُ الحَيَوَانُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهِ، فَيُنْبَتُونَ كَمَا ينبتُ التَّقَاريرُ. ثم يُخْرَجُونَ فَيُدْخَلُونَ الجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ فيها الجهنّميّون، ثم يطلبونَ إلى الله تعالى أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُمْ هذا الاسم، فيذهب به عَنْهُمْ» [[عزاه السيوطي: 5/ 326 إلى الترمذي وحسنه وابن جرير، وابن مردويه.]] .
وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال: «يجتمع الأولون والآخرون يوم القيامة في صعيد واحد، ينفذهم البصر ويسمعهم المنادي، فيقول: يا محمد، فيقول: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ» . وهو المقام المحمود، ويغبطه به الأولون والآخرون.
ثم قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، أي: قال هذا حين أمره الله بالرجوع إلى المدينة أي أدخلني في المدينة إدخال صدق. وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، يعني: من المدينة إلى مكة إخراج صدق، ويقال: أَدْخِلْنِي في الدين مُدْخَلَ صِدْقٍ، أي ثبتني على الدين وَأَخْرِجْنِي، أي احفظني من الكفر، ويقال: أخرجني من الدنيا إخراج صدق، وأدخلني في الجنة. ويقال: أدخلني بعز وشرف وإظهار الإسلام. ويقال: أدخلني في القبر مدخل صدق وأخرجني من القبر مخرج صدق، وقال مجاهد: أدخلني في النبوة والرسالة مدخل صدق الجنة، وقال السدي: أدخلني المدينة وأخرجني من مكة، وعن أبي صالح: أدخلني في الإسلام وارفعني في الإسلام. وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ، أي: من عندك سُلْطاناً نَصِيراً، أي ملكاً مانعاً لا زوال فيه، ولا يرد قولي ويقال: حجة ثابتة ظاهرة.
قوله عز وجل: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ، ظهر الإسلام والقرآن، وَزَهَقَ الْباطِلُ يقول:
وهلك الشرك وأهله. إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، يعني: إنّ الشرك كان هالكاً لم يكن له قرار ولا دوام. روي عن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبيّ ﷺ مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الإسراء: 81] جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ وذكر أن النبيّ ﷺ كان يقول ذلك والصنم ينكب لوجهه.
{"ayahs_start":79,"ayahs":["وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةࣰ لَّكَ عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا","وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِی مُدۡخَلَ صِدۡقࣲ وَأَخۡرِجۡنِی مُخۡرَجَ صِدۡقࣲ وَٱجۡعَل لِّی مِن لَّدُنكَ سُلۡطَـٰنࣰا نَّصِیرࣰا","وَقُلۡ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَـٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقࣰا"],"ayah":"وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةࣰ لَّكَ عَسَىٰۤ أَن یَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامࣰا مَّحۡمُودࣰا"}