قوله عز وجل: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ قال ابن عباس:
«يعني: نميت أهلها» . أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً، يعني: بالسيف والزلازل والأمراض والخوف والغرق والحرق. كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً، أي: في الذكر الذي عند الله، وقال مجاهد: مُهْلِكُوها أي مبيدوها أو معذبوها بالقتل والبلاء، ما كان من قرية في الأرض إلا سيصيبها بعض ذلك. روى حماد بن سلمة، عن أبي العلاء، عن مكحول أنه قال: «أول أرض تصير خراباً أرض أرمينية» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «أول أرض تصير خراباً أرض الشام» وروى ابن سيرين عن ابن عمر أنه قال: «البصرة أسرع الأرضين خراباً وأخبثهم تراباً» . عن عليّ بن أبي طالب أنه قال: «أكثروا الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة حمش الساقين، يهدمها حجراً حجراً» .
ثم قال تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ، وذلك أن قريشاً طلبوا من رسول الله ﷺ أن يأتيهم بآية، فنزل وَما مَنَعَنا أي ليس أحد يمنعنا أن نرسل الآيات عند ما سألوها. إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، يعني: تكذيب الأولين حين أتتهم الآيات، فلم يؤمنوا، فأتاهم العذاب.
قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس بن السراج قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: «سأل أهل مكة النبيّ ﷺ أن يجعل الصفا لهم ذهباً، وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعونها، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نتخير منهم وإن شئت أن نريهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما هلك من كان قبلهم. فقال: «بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ» ، فنزل وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ.
ثم قال: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، أي معاينة يبصرونها، ويقال: علامة لنبوته.
فَظَلَمُوا بِها، أي جحدوا بها فعقروها، فعذبوا. فقال الله تعالى: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً لهم ليؤمنوا، فإِن أَبَوا أتاهم العذاب.
قوله عز وجل: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ قال الكلبي: أحاط علمه بالناس، ويقال: هم في قبضته، أي قادر عليهم وقال قتادة: يعني: يمنعك من الناس حتى تبلغ رسالات الله وقال السدي: معناه إن ربك مظهرك على الناس.
قال عز وجل: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ قال: حدّثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد الدبيلي قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال في قوله: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ قال:
«هي رؤيا عين أريها النبيّ ﷺ ليلة أسري به» . وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ أي: ذكر الشجرة الملعونة في القرآن فتنة لهم، يعني: بلية لهم. وذلك أن المشركين قالوا: يخبرنا هذا أن في النار شجرة والنّار تأكل الشجرة. فصار ذلك فتنة لهم، يعني: بلية لهم.
ويقال: لما نزل إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ قالوا: هي التّمر والزبد. فرجع أبو جهل إلى منزله، فقال لجاريته: زقمينا، وأمرها أن تأتي بالتمر والزبد، فخرج به إلى الناس وقال:
كلوا فإِن محمداً يخوفكم بهذا، فصار ذكر الشجرة فتنة لهم، ثم يخوّفهم: بذكر شجرة الزقوم فذلك قوله: وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً، يعني: تمادياً في المعصية. قال الكلبي: قوله وَالشَّجَرَةَ قال: هي شجرة الزقوم. ثم قال: هي ليلة أسري به ﷺ مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس، فنشر له الأنبياء كلهم، فصلى بهم، ثم صلى الغداة بمكة فكذبوه، فذلك قوله: فِتْنَةً لِلنَّاسِ حين كذبه أهل مكة. وقال عكرمة: أمَا إنَّهَا رؤيا عين يقظة ليست برؤيا منام. وقال سعيد بن المسيب: أري النبيّ ﷺ بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فقيل له: إنّما هي دنيا يعطونها فقرَّت عينه فنزل: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ يعني: بني أمية.
{"ayahs_start":58,"ayahs":["وَإِن مِّن قَرۡیَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا","وَمَا مَنَعَنَاۤ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّاۤ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَیۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةࣰ فَظَلَمُوا۟ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّا تَخۡوِیفࣰا","وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡیَا ٱلَّتِیۤ أَرَیۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا یَزِیدُهُمۡ إِلَّا طُغۡیَـٰنࣰا كَبِیرࣰا"],"ayah":"وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡیَا ٱلَّتِیۤ أَرَیۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا یَزِیدُهُمۡ إِلَّا طُغۡیَـٰنࣰا كَبِیرࣰا"}