ثم قال عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: إلا على وجه التجارة لينمو مال اليتيم بالأرباح، أو ينمو على وجه المضاربة حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ يعني: حتى يَبْلُغَ ويتم خلقه. وقال القتبي: أشد الرجل، غير أشد اليتيم، وإن كان لفظهما واحداً، لأن قوله تعالى: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ [الأحقاف: 25] إنّما هو الاكتهال، وذلك ثلاثون سنة. وأشد الغلام أن يشتد خلقه، وذلك ثمان عشرة سنة. وقال مقاتل: هذه الآية منسوخة بقوله: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ [البقرة: 220] .
ثم قال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ يعني: العهد الذي بينكم وبين الله تعالى، والعهد الذي بينكم وبين الناس إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا يعني: إن ناقض العهد يسأل عنه يوم القيامة.
ثم قال عز وجل: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ لغيركم وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ أي:
بالميزان العدل بلغة الروم. قرأ حمزة والكسائي بِالْقِسْطاسِ بكسر القاف، والباقون بالضم، وهما لغتان يعني: الميزان. ويقال: هو القبان. ذلِكَ خَيْرٌ أي: الوفاء بجميع ما أمركم الله به، ونهاكم عنه، خير من البخس والنقصان. وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي: عاقبة ومرجعاً في الآخرة.
وقال: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يقول: لا تقل ما لم تعلم، فتقول: علمت ولم تعلم، ورأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، أي: كأنك تقفو الأمور. يقال: قفوت أثره، والقائف: الذي يعرف الآثار ويتبعها.
ثم حذرهم فقال: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا أي: يسأل العبد عن أعضائه يوم القيامة، فيشهدن عليه. ويقال: معناه صاحب السمع والبصر والفؤاد يسأل يوم القيامة عن السمع والبصر والفؤاد. ويقال: معنى قوله: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: لا تقل ما لم تعلم، ولا تسمع اللغو، ولا تنظر إلى الحرام، ولا تحكم على الظن كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا يعني: عن الكلام باللسان، والتسمع بالسمع، والتبصر بالبصر على وجه الإضمار، وهو من جوامع الكلم.
ثم قال: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً يعني: بالتكبر والفخر إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ يعني:
لن تدخل الْأَرْضِ ولن تجاوزها وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا يريد: أنه ليس للعاجز أن يمدح نفسه، ويستكبر. كُلُّ ذلِكَ أي: كل ما أمرتك به، ونهيتك عنه كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ أي ترك ذلك سيئة ومعصية عند الله مَكْرُوهاً أي: منكراً. قرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع، سَيِّئَةً بنصب الهاء مع التنوين، يعني: خطيئة. ومعناه: ما ذكر في هذه الآية تركه كان معصية وسيئة. وقرأ الباقون سَيِّئُهُ بضم الهاء على معنى الإضافة، قال أبو عبيدة: وبهذه القراءة نقرأ، وحجته قراءة أُبَيّ، كان يقرأ سَيِّئَاتِهِ على معنى الإضافة.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَلَا تَقۡرَبُوا۟ مَالَ ٱلۡیَتِیمِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُوا۟ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولࣰا","وَأَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ إِذَا كِلۡتُمۡ وَزِنُوا۟ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِیمِۚ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلࣰا","وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا","وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا","كُلُّ ذَ ٰلِكَ كَانَ سَیِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهࣰا"],"ayah":"وَلَا تَقۡرَبُوا۟ مَالَ ٱلۡیَتِیمِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُوا۟ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولࣰا"}