الباحث القرآني

قوله عز وجل: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ يقول: إذا حلفتم بالله فأتموا له بالفعل. ويقال: أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ أي: العهود التي بينكم وبين الله تعالى، والعهود التي بينكم وبين الناس. ثم قال: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها أي: لا تنكثوا العهود بَعْدَ تغليظها، وتشديدها، وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا أي: شهيداً على إتمام العهود والوفاء بها. ويقال: حفيظاً على ما قال الفريقان إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ في وفاء العهد والنقض. ثم ضرب الله تعالى مثلا آخر فقال: وَلا تَكُونُوا في نقض العهد كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها وهي ريطة الحمقاء بنت عمرو بن كعب بن سعد وهي أم الأخنس بن شريف الزهري مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً أي: من بعد ما أبرمته وأحكمته، كانت إذا غزلت الشعر والكتان نقضته، ثم غزلته. فقال: ولا تنقضوا العهد بعد توكيده، كما نقضت المرأة غزلها، وقال القتبي: أي لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود، ثم تنقضوا ذلك، فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسج فجعلته أنكاثاً، والأنكاث: ما نقض من غزل الشعر وغيره، واحدها نكث. ثم قال: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي: دغلاً وخيانة أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ أي: فريقا منكم هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ أي: هي أكثر وأغنى من أمة. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في كندة ومراد، وذلك أنه كان بينهم قتال حتى كَلَّ الظهر، ثم تواعدوا لستة أشهر حتى يصلح الظهر أي: الدواب، ولحم الخيل. فلما مضت خمسة أشهر أمر قيس بن معد يكرب بالجهاد إليهم، فقالوا: قد بقي من الأجل شهر، فمكث حتى علم أنه يأتيهم بعد انقضاء الأجل، فقتلوه وهزموا قومه، فذلك قوله: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ [النحل: 94] أي: عهودكم بالله دَخَلًا أي: مكراً وخديعة بينكم أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ يعني: أن تكون أمة أكثر من أمة، فينقضون العهد لأجل كثرتهم، فلا تحملنكم الكثرة على نقض العهد إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يعني: إنما يبتليكم الله بالكثرة، لنقض العهد والوفاء. وقال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء، فإِذا وجدوا أكثر منهم وأعز، نقضوا وحالفوا الأعز، فنزل إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ أي: يختبركم بنقض العهود وبالكثرة وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الدين، ويبيّن لكم ما نقضتم من العهود، ويجازيكم به. قوله: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً أي: على ملة واحدة وهي الإسلام وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ أي: يخذل من علم أنه ليس من أهل الإسلام وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي: يكرم بالإِسلام من هو أهل لذلك وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فهذه اللام لام القسم والتأكيد، أي: يسألكم عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الوفاء، والنقض بالعهد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب