قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا يقول: كيف بيّن الله شبهاً كَلِمَةً طَيِّبَةً وهي كلمة الإخلاص لا إله إلا الله، لا تكون في كلمة التوحيد زيادة ولا نقصان، ولكن يكون لها مدد وهو التوفيق للطاعة في الأوقات كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وهي النخلة. كما أنه ليس في الثمار شيء أحلى وأطيب من الرطب، فكذلك ليس في الكلام شيء أطيب من كلمة الإخلاص.
ثم وصف النخلة فقال: أَصْلُها ثابِتٌ يعني: في الأرض وَفَرْعُها فِي السَّماءِ يعني:
رأسها في الهواء فكذلك الإخلاص يثبت في قلب المؤمن، كما تثبت النخلة في الأرض. فإذا تكلم المؤمن بالإخلاص، فإنها تصعد في السماء، كما أن النخلة رأسها في السماء، وكما أن النخلة لها فضل على سائر الشجر في الطول واللون والطيب والحسن، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام، فهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يقول: أَصْلُها ثابِتٌ يعني: أنّ المعرفة في قلب المؤمن ثابتة كالشجرة الثابتة في الأرض، بل هي أثبت في الشجرة في الأرض، لأن الشجرة تقطع ومعرفة العارف لا يقدر أحد أن يخرجها من قلبه، إلا المعرف الذي عرفه.
ويقال: وَفَرْعُها فِي السَّماءِ يعني: ترفع أعمال المؤمن المصدق إلى السماء، لأن الأعمال لا تقبل بغير إيمان، فالإيمان أصل، والأعمال فرع الإيمان، فترفع أعماله وتقبل منه.
ثم قال: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ يعني: تخرج ثمارها في كل وقت، وتخرج منها في كل وقت من ألوان المنفعة كُلَّ حِينٍ يعني: في كل وقت. روى الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس أنه قال: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ قال: «غدوة وعشية» . وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: «النخلة يكون حملها شهرين. فنرى أن الحين شهران» . وروى هشام بن حسان، عن عكرمة، أنه قال: حلف رجل فقال: إن فعلت كذا إلى حين، فعليَّ كذا. فأرسل عمر بن عبد العزيز إلى ناس من الفقهاء فسألهم، فلم يقولوا شيئاً، قال عكرمة. فقلت: إن من الحين حيناً لا يدرك كقوله تعالى وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص: 88] وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يونس: 98] ومنها ما يدرك كقوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ فأراد ما بين خروج الثمرة إلى صرامها، فأراد به ستة أشهر. قال: فأعجب بذلك أي: فرح بذلك عمر بن عبد العزيز. وروي عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن امرأة حلفت ألاَّ تدخل على أهلها حيناً، قال: الحين ما بين أن يطلع الطلع إلى أن يجد، فبين أن يجد إلى أن: يطلع الطلع، ستة أشهر. وعن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: «الحين ما بين الثمرتين» . أي سنة. وروي عن وهب بن منبه أنه قال: «الحين السنة» . وعن مقاتل: سنة. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الحين ستة أشهر. وقال عكرمة: النخلة لا يزال فيها شيء ينتفع به إما ثمرة وإما حطبه، فكذلك الكلمة الطيبة ينتفع بها صاحبها في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى: بِإِذْنِ رَبِّها أي: بأمر ربها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ يعني: يبيّن الله الأشباه لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يعني: يتعظون، ويتفكرون في الأمثال فيوحّدونه.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا كَلِمَةࣰ طَیِّبَةࣰ كَشَجَرَةࣲ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ","تُؤۡتِیۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِینِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا كَلِمَةࣰ طَیِّبَةࣰ كَشَجَرَةࣲ طَیِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتࣱ وَفَرۡعُهَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ"}