الباحث القرآني

قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى. للذين وحدوا الله وأطاعوه في الدنيا، لهم الجنة في الآخرة وَزِيادَةٌ، يعني: فضلاً. قال عامة المفسرين: هي النظر إلى وجه الله تعالى، وهكذا روي عن النبيّ ﷺ، وعن أبي بكر الصديق، وحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري وغيرهم. قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال. حدثنا أبو العباس السراج قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ قال: «إذا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وَدَخَلَ أهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يا أَهْلَ الجَنَّةِ، إنَّ لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مَوْعِداً يُحِبُّ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ فَيَقُولُونَ وما هو الموعد؟ ألم يثقّل موازيننا وبيّض وُجُوهَنَا، وَأَدْخَلَنَا الجَنَّة، وَنَجَّانا مِنَ النَّار؟ قالَ: ثُمَّ يُكْشَفُ الحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إلَى الله تعالى، فو الله مَا أعْطَاهُمْ شَيْئاً أحَبَّ إلَيْهمُ مِنَ النَّظَر إلى وجه الله تعالى» . قال الفقيه رضي الله عنه: وأخبرنا الثقة بإسناده، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحذيفة قالا: «الزيادة، النظر إلى وجه الله تعالى» . وعن أبي موسى الأشعري قال: «الحسنى، هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى» . وعن عامر بن سعد، وعن قتادة، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعن عكرمة مثله. قال الفقيه: سمعت محمد بن الفضل العابد قال: سمعت علي بن عاصم قال: «أجمع أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لم يره أحد من خلقه، وأن أهل الجنة يرونه يوم القيامة» وقال الزجاج: القول في النظر إلى وجه الله تعالى كثير في القرآن، وفي التفسير مروي بالأسانيد الصحاح أنه لا شك في ذلك. وقال مجاهد: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ قال: الحسنى مثلها، والزيادة المغفرة والرضوان. وروي عن علقمة قال: الحسنى مثلها، وزيادة عشر أمثالها. ويقال: الحسنى الجنة وما فيها من الكرامة، والزيادة ما يأتيهم كل يوم من التحف والكرامات من الله تعالى، فيأتيهم رسول الله فيقول لهم: أنا رضيت عنكم، فهل رضيتم عني؟. ثم قال تعالى: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، يعني: لا يعلو ولا يغشى وجوههم قَتَرٌ يعني: سواد، وهو كسوف الوجوه عند معاينة النار، ويقال: حزن وَلا ذِلَّةٌ يعني: ولا مذلة. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، يعني: دائمين لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها. ثم بيّن حال أهل النار فقال تعالى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ، يعني: أشركوا بالله وعبدوا الأصنام والشمس والقمر والملائكة، فهذا كله من السيئات. جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها بلا زيادة، يعني: لا يزاد على ذلك، وهذا موصول بما قبله فكأنه قال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها بلا زيادة وهذا كقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها [الأنعام: 160] ، ويقال: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها، يعني: جزاء الشرك النار، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أشد من النار. فيكون العذاب موافقاً لسيئاتهم، كقوله تعالى: جَزاءً وِفاقاً [النبأ: 26] ، أي موافقاً لشركهم. ثم قال تعالى: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، يعني: يغشى وجوههم المذلة، يعني: سواد الوجوه والعذاب. مَّا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ، يعني: مانع يمنعهم من عذاب الله. ثم وصف سواد وجوههم فقال: كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً، يعني: سواد الليل مظلماً، ويقال: قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ يعني: بعضاً من الليل وساعة منه. قال الفقيه: حدّثنا الفقيه أبو جعفر قال: حدثنا محمد بن عقيل قال: حدثنا العباس الدوري قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن شريك، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله ﷺ: «أوقِدَ عَلَى النَّارِ ألَفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أوقد عليها ألف سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثم أوقد عليها ألف سنة حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِي سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ» [[حديث أبي هريرة: أخرجه الترمذي (2591) وقال: موقوف أصح ولا أعلم أحدا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك. وأخرجه ابن ماجة (4320) .]] قرأ ابن كثير والكسائي قِطَعاً بجزم الطاء، وهو اسم ما قطع منه، يعني: طائفة من الليل، قرأ الباقون قِطَعاً بنصب الطاء يعني: جمع قطعة. وإنما أراد به سواد الليل مُظْلِماً صار نصباً للحال، أي: في حالة الظلام. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، أي مقيمون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب