الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه﴾ وَفِي هَذِه الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ لِأَبِيهِ: لأَسْتَغْفِرَن لَك، قَالَ هَذَا رَجَاء أَن يَنْقُلهُ الله تَعَالَى من الْكفْر إِلَى الْإِسْلَام ببركة دُعَائِهِ واستغفاره. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن أَبَا إِبْرَاهِيم وعد إِبْرَاهِيم وَقَالَ: لأسلمن، فَاسْتَغْفر لي، فَاسْتَغْفر لَهُ إِبْرَاهِيم لهَذَا الْمَعْنى. ﴿فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله﴾ بِمَوْتِهِ على الْكفْر ﴿تَبرأ مِنْهُ﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يجوز أَن يسْتَغْفر إِبْرَاهِيم للمشرك؟ الْجَواب عَنهُ: قَالَ بعض أهل الْمعَانِي: يحْتَمل أَن أَبَا إِبْرَاهِيم كَانَ أظهر الْإِسْلَام وَهُوَ يبطن الْكفْر، فَاسْتَغْفر لَهُ إِبْرَاهِيم لإظهاره الْإِسْلَام ﴿فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله﴾ مصر على الْكفْر فِي الْبَاطِن ﴿تَبرأ مِنْهُ﴾ هَكَذَا قَالَه بعض أهل الْمعَانِي. وَالَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة الْمُفَسّرين مَا بَينا من قبل. وَقد قَرَأَ الْحسن الْبَصْرِيّ: " إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه " وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الْوَعْد كَانَ من إِبْرَاهِيم، وَالدَّلِيل على أَن إِبْرَاهِيم اسْتغْفر لَهُ وَهُوَ مُشْرك: أَن الله تَعَالَى قَالَ فِي سُورَة الممتحنة: ﴿قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه. .﴾ إِلَى أَن قَالَ: ﴿إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَن لَك﴾ فقد صرح أَن إِبْرَاهِيم لَيْسَ بقدوة فِي هَذَا الاسْتِغْفَار؛ وَإِنَّمَا اسْتغْفر لَهُ وَهُوَ مُشْرك لمَكَان الْوَعْد؛ رَجَاء أَن يسلم. وَقَوله: ﴿إِن إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم﴾ اخْتلفُوا فِي " الأواه " على أقاويل. رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود. وَعبد الله بن عَبَّاس: أَن الأواه: هُوَ الدُّعَاء. وَعَن ابْن مَسْعُود فِي رِوَايَة أُخْرَى: أَنه الرَّحِيم، وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى: أَنه الْمُؤمن التواب، وَعَن مُجَاهِد أَنه الْفَقِيه، وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: أَنه الَّذِي يتأوه من الذُّنُوب، فَيَقُول: أوه أوه. وروى أَبُو ذَر " أَن رجلا كَانَ يطوف وَيَقُول: أوه أوه، فَقلت للنَّبِي: إِن هَذَا الرجل ليؤذينا، فَقَالَ: لَا تقل هَذَا؛ فَإِنَّهُ أَواه ". قَالَ الشَّاعِر: (إِذا مَا قُمْت أرحلها بلَيْل ... تأوه آهة الرجل الحزين) وَعَن سعيد بن جُبَير قَالَ الأواه: المسبح. وَقيل: إِنَّه الْموقف. وَقيل: إِنَّه الموقن. وَأما الْحَلِيم: فَهُوَ: الصفوح عَن الذُّنُوب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب