الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ﴾ فِي الْآيَة نوع إِشْكَال، وَشَرحهَا وتفسيرها فِي الْأَخْبَار، روى مَالك فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادِهِ عَن مُسلم بن يسَار الْجُهَنِيّ عَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " إِن الله - تَعَالَى - مسح ظهر آدم، فاستخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ، ثمَّ مسح ظهر آدم فاستخرج ذُرِّيَّة، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل النَّار، وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ، فَقيل: يَا رَسُول الله، فَفِيمَ الْعَمَل إِذا؟ فَقَالَ: إِن الله - تَعَالَى - إِذا خلق للجنة أَهلا استعملهم بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يدخلهم الْجنَّة، وَإِذا خلق للنار خلقا استعملهم بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يدخلهم النَّار " وَالْمَعْرُوف وَالَّذِي عَلَيْهِ جمَاعَة الْمُفَسّرين فِي معنى الْآيَة أَن الله - تَعَالَى - مسح صفحة ظهر آدم الْيُمْنَى فَأخْرج مِنْهُ ذُرِّيَّة بَيْضَاء كَهَيئَةِ الذَّر يتحركون، ثمَّ مسح صفحة ظهر آدم الْيُسْرَى فَأخْرج مِنْهُ ذُرِّيَّة سَوْدَاء كَهَيئَةِ الذَّر، فَقَالَ: يَا آدم، هَؤُلَاءِ ذريتك، ثمَّ قَالَ لَهُم: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ ؟ قَالُوا: بلَى، فَقَالَ للبيض: هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة برحمتي وَلَا أُبَالِي، وهم أَصْحَاب الْيَمين، وَقَالَ للسود: هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي، وهم أَصْحَاب الشمَال، ثمَّ أعادهم جَمِيعًا فِي صلبه، فَأهل الْقُبُور محبوسون حَتَّى يخرج أهل الْمِيثَاق كلهم من أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء.
قَالَ الله تَعَالَى فِيمَن نقض الْعَهْد: ﴿وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد﴾ وروى أَبُو الْعَالِيَة عَن أبي بن كَعْب فِي هَذِه الْآيَة، قَالَ: جمعهم الله جَمِيعًا، فجعلهم أرواحا ثمَّ صورهم، ثمَّ استنطقهم، فَقَالَ: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ ؟ قَالُوا: بلَى، شَهِدنَا أَنَّك رَبنَا وإلهنا، لَا رب لنا غَيْرك، قَالَ الله - تَعَالَى -: فَأرْسل إِلَيْكُم رُسُلِي، وَأنزل عَلَيْكُم كتبي، فَلَا تكذبوا رُسُلِي، وَصَدقُوا كَلَامي، فَإِنِّي سأنتقم مِمَّن أشرك وَلم يُؤمن بِي، فَأخذ عَهدهم وميثاقهم.
وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن الله استخرج ذُرِّيَّة آدم، فنثرهم بَين يَدي آدم، ثمَّ كَلمهمْ قبلا - أَي: عيَانًا - فَقَالَ: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ ؟ قَالُوا: بلَى. وَقيل: جعل لَهُم عقولا يفهمون بهَا، وألسنة ينطقون بهَا، ثمَّ خاطبهم وألهمهم الْجَواب.
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين عَن عُلَمَاء السّلف: إِن الْكل قَالُوا: بلَى، لَكِن الْمُؤمنِينَ قَالُوا: بلَى طَوْعًا، وَقَالَ الْكَافِرُونَ كرها، وَهَذَا معنى قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها﴾ .
رَجعْنَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: لما كَانَ الاستخراج من ظهر آدم، فَكيف قَالَ: ﴿أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ) ؟ قَالَ بعض الْعلمَاء فِي جَوَابه: إِن الله - تَعَالَى - استخرجهم من صلب آدم على التَّرْتِيب الَّذِي يُخرجهُ من بني آدم من ظُهُورهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَلذَلِك قَالَ: {أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ﴾ .
وَاعْلَم أَن الْمُعْتَزلَة تأولوا هَذِه الْآيَة، فَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ الْأَخْذ من ظُهُور بني آدم على التَّرْتِيب الَّذِي مَضَت بِهِ السّنة من لدن آدم إِلَى فنَاء الْعَالم.
وَقَوله: ﴿وأشهدهم على أنفسهم﴾ يَعْنِي كَمَا نصب من دَلَائِل الْعُقُول الَّتِي تدل على كَونه رَبًّا، ويلجئهم إِلَى الْجَواب بقَوْلهمْ: بلَى، وأنكروا الْمِيثَاق. وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل، وَأما أهل السّنة مقرون بِيَوْم الْمِيثَاق، وَالْآيَة على مَا سبق ذكره.
﴿وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين﴾ وَاخْتلفُوا فِي قَوْله: ﴿شَهِدنَا﴾ قل بَعضهم: هَذَا من قَول الله وَالْمَلَائِكَة قَالُوا: شَهِدنَا، وَقيل: هُوَ قَول المخاطبين، قَالُوا: بلَى شَهِدنَا، وَقيل: فِيهِ حذف، وَتَقْدِيره: أَن الله تَعَالَى قَالَ للْمَلَائكَة: اشْهَدُوا، فَقَالُوا: شَهِدنَا.
وَأما قَوْله تَعَالَى: ﴿أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة﴾ يقْرَأ بِالْيَاءِ وَالتَّاء، فَمن قَرَأَ بِالْيَاءِ فتقدير الْكَلَام: وأشهدهم على أنفسهم لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة: إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين، وَمن قَرَأَ بِالتَّاءِ فتقدير الْكَلَام: أخاطبكم أَلَسْت بربكم؟ لِئَلَّا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة: إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين. فَإِن قَالَ قَائِل: الْحجَّة إِنَّمَا تلْزم فِي الدُّنْيَا إِذا رجعُوا عَن ذَلِك الْعَهْد الَّذِي كَانَ يَوْم الْمِيثَاق وَاحِد لَا يذكر ذَلِك الْمِيثَاق حَتَّى يكون بِالرُّجُوعِ معاندا، فَتلْزمهُ الْحجَّة، وَقيل: إِن الله - تَعَالَى - قد أوضح الدَّلَائِل ونصبها على وحدانيته، وَصدق قَوْله، وَقد أخبر عَن يَوْم الْمِيثَاق، وَهُوَ صَادِق فِي الْأَخْبَار، فَكل من نقض ذَلِك الْعَهْد كَانَ معاندا ولزقته الْحجَّة.
{"ayah":"وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق