الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا ايها النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ﴾ الْآيَة وَردت فِي بيعَة النِّسَاء، وَكَانَ قد بَايع الرِّجَال على الْإِيمَان وَالْجهَاد فَحسب، وَبَايع النِّسَاء على هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا، فَروِيَ " أَن النَّبِي قعد على الصَّفَا حِين فتح مَكَّة، وَقعد دونه عمر، وجاءته النِّسَاء يبايعنه، وفيهن هِنْد بنت عتبَة منتقبة مُتَنَكِّرَة، فَلَمَّا قَالَ النَّبِي: " إِنَّا نبايعكن على أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا " قَالَت هِنْد: مَا جِئْنَا إِلَيْك وَقد بَقِي فِي قُلُوبنَا شرك، فَلَمَّا قَالَ: " وعَلى أَن لَا تسرقن " قَالَت هِنْد: إِنِّي قد أخذت من مَال أبي سُفْيَان هَنَات وهنات وَلَا أَدْرِي أتحللها لي أَو لَا؟ وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا، فَقَالَ: حللتك عَمَّا مضى وَعَما بَقِي. وَفِي رِوَايَة: أَنَّهَا لما قَالَت ذَلِك عرفهَا النَّبِي فَقَالَ: " أَو هِنْد بنت [عتبَة] ؟ " قَالَت: نعم، اعْفُ عَمَّا سلف يَا نَبِي الله، عَفا الله عَنْك، فَقَالَ: " إِن الْإِسْلَام يجب مَا قبله "، فَلَمَّا قَالَ النَّبِي: " وعَلى أَن لَا تزنين " قَالَت هِنْد: أَو تَزني الْحرَّة؟ ! فَضَحِك عمر رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا قَالَ: " وعَلى أَلا تقتلن أَوْلَادكُنَّ وَالْمعْنَى: لَا تئدن أَوْلَادكُنَّ قَالَت هِنْد: رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا فَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا وَكَانَ قتل ابْنهَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان يَوْم بدر فَلَمَّا _ كَانَ) قَالَ: ﴿وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ﴾ قَالَت هِنْد: مَا علمت الْبُهْتَان إِلَّا قبيحا ". وَمعنى الْآيَة: لَا تلْحق الْمَرْأَة ﴿وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف فبايعهن﴾ بزوجها ولدا لَيْسَ مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ: أَن تلْتَقط ولدا، وَتقول لزَوجهَا: هَذَا وَلَدي مِنْك. وَمن حمل على هَذَا قَالَ: هَذَا أولى، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلَا يَزْنِين﴾ فقد تضمن الْيَمين عَن الزِّنَا الْيَمين على الْمَعْنى الأول، فَلَا بُد لهَذَا من معنى آخر. وَقَوله: ﴿يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ﴾ قَالَ ذَلِك؛ لِأَن الْوَلَد إِذا سقط من الْمَرْأَة سقط بَين يَديهَا ورجليها. وَقيل: لِأَن الثدي بَين يدين، والفرج بَين الرجلَيْن، وَالْمَرْأَة تضع وترضع. وَقيل: إِن ذكر الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ على طَرِيق التَّأْكِيد، مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك بِمَا [قدمت] أَيْدِيكُم﴾ يَعْنِي: بِمَا كسبتم، وَذكر الْأَيْدِي على طَرِيق التَّأْكِيد، فَلَمَّا قَالَ النَّبِي: " وَلَا تعصينني فِي مَعْرُوف " قَالَت هِنْد: مَا جئْنَاك لنعصيك. وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَت: إِنَّك لتأمر بمكارم الْأَخْلَاق ". وَأما الْمَعْرُوف فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه جَمِيع الطَّاعَات، وَالْآخر: أَنه النِّيَاحَة وَمَا يَفْعَله النِّسَاء على الْمَوْتَى من شقّ الْجُيُوب، وخمش الْوُجُوه، وَقطع الشُّعُور، وَمَا أشبه ذَلِك. وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَشْهر، وَقد روته أم عَطِيَّة مُسْندًا إِلَى النَّبِي فسر بالنياحة. وَفِي بعض الرِّوَايَات: " مَا وفت بذلك امْرَأَة إِلَّا أم عَطِيَّة ". وروى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِرِوَايَة شهر ابْن حَوْشَب عَن أم سَلمَة الْأَنْصَارِيَّة أَن امْرَأَة من النسْوَة قَالَت: " مَا هَذَا الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْبَغِي لنا أَن نَعْصِيك فِيهِ؟ قَالَ: " لَا تنحن " فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن بني فلَان قد أسعدوني على عمي وَلَا بُد من قضائهن، فعاتبته مرَارًا، فَأذن لي فِي قضائهن، فَلم أنح بعد فِي قضائهن وَلَا غَيره حَتَّى السَّاعَة، وَلم يبْق من النسْوَة امْرَأَة إِلَّا وَقد ناحت غَيْرِي ". قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: أخبرنَا بذلك عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله بن أَحْمد الْقفال، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن سراج، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس المحبوبي أخبرنَا أَبُو عِيسَى، أخبرنَا عبد بن حميد، عَن أبي نعيم، عَن يزِيد بن عبد [الله] الشَّيْبَانِيّ، عَن شهر بن حَوْشَب. . الحَدِيث: قَالَ أَبُو عِيسَى: وَأم سَلمَة الْأَنْصَارِيَّة هِيَ أَسمَاء بنت يزِيد السكني. وَقَوله: ﴿فبايعهن واستغفر لَهُنَّ الله﴾ أَي: قد غفر الله لَكِن. وَقَوله: ﴿إِن الله غَفُور رَحِيم﴾ قد بَينا. وَقد ثَبت بِرِوَايَة عَائِشَة " أَن النَّبِي مَا مس بِيَدِهِ يَد امْرَأَة قطّ إِلَّا يَد امْرَأَة يملكهَا ". وَالْمَشْهُور فِي بيعَة النِّسَاء " أَنه دَعَا بِإِنَاء فِيهِ مَاء وغمس فِيهِ يَده فَجعل كل من بَايَعت غمست فِيهِ يَدهَا " وَقد قيل: " إِنَّه أَخذ بيدهن وَرَاء الثَّوْب " وَالأَصَح هُوَ الأول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب