الباحث القرآني

قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم فَمن يكفر بعد مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين﴾ أَي: جنس عَذَاب لم أعذب بِهِ أحدا، وَقيل: إِن ذَلِك الْعَذَاب (أَنه) مسخهم خنازير على مَا سنبين فِي الْقِصَّة. ثمَّ اخْتلفُوا، قَالَ الْحسن، وَمُجاهد: إِن الْمَائِدَة لم تنزل أصلا، فَإِن الله - تَعَالَى - لما أوعد على كفرهم بعد نزُول الْمَائِدَة؛ خَافُوا أَن يكفر بَعضهم؛ فاستعفوا عَن إِنْزَال الْمَائِدَة؛ فعلى هَذَا تَقْدِير قَوْله: ﴿إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم﴾ يَعْنِي: إِن سَأَلْتُم، إِلَّا أَنهم استعفوا فَلم ينزل، وَالصَّحِيح - وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ - أَنَّهَا منزلَة؛ لِأَن الله تَعَالَى لَا يعد شَيْئا ثمَّ يخلف، وَقد قَالَ: ﴿إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم﴾ . والقصة فِي ذَلِك: أَن عِيسَى لما سَأَلَ الْمَائِدَة؛ نزلت من السَّمَاء سفرة حَمْرَاء بَين غمامتين كَانُوا يرونها، بسطت بَين أَيْديهم، وَكَانَت مغطاة، فَقَامَ عِيسَى إِلَيْهَا، وَرفع عَنْهَا الغطاء، فَإِذا عَلَيْهَا سَبْعَة أرغفة، وَسَبْعَة أحوات، وَفِي رِوَايَة: كَانَ عَلَيْهَا خَمْسَة أرغفة، وسمكة مشوية لَيْسَ فِيهَا فلوس وَلَا شوك كَمَا يكون فِي سمك الأَرْض، وَكَانَ حولهَا من كل بقل إِلَّا الكرات، وَكَانَ عِنْد رَأسهَا الْملح وَعند ذنبها الْخلّ، وَكَانَ عَلَيْهَا خمس رمانات وتميرات، وَقيل: كَانَت الأرغفة من خبز الْأرز، وَقَالَ عَطِيَّة: كَانَت عَلَيْهَا سَمَكَة لَهَا طعم جَمِيع الأَرْض، وَقيل: كَانَ عَلَيْهَا ثَمَر من ثمار الْجنَّة. وَفِي بعض الرِّوَايَات أَن عِيسَى سُئِلَ: أَهَذا من طَعَام الْجنَّة؟ فَقَالَ: لَا من طَعَام الْجنَّة، وَلَا من طَعَام الأَرْض، إِنَّمَا هُوَ طَعَام خلقه الله - تَعَالَى - لكم. وَفِي الْقِصَّة: أَن هَذَا الْمَائِدَة لما نزلت؛ دَعَا عِيسَى لَهَا الْفُقَرَاء، والزمني، وَالْمَسَاكِين، حَتَّى يَأْكُلُوا، وَكَانَت تنزل عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ يَوْمًا، يَأْكُل مِنْهَا كل يَوْم أَرْبَعَة آلَاف، أَو خَمْسَة آلَاف نفر، فَكَانُوا يَأْكُلُون، وَلَا ينقص مِنْهَا شَيْء، ثمَّ تصعد، ثمَّ تنزل، هَكَذَا كل يَوْم حَتَّى خانوا فِيهَا، فمسخوا قردة وَخَنَازِير، وَرفعت الْمَائِدَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي تِلْكَ الْخِيَانَة، فروى عمار بن يَاسر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أنزلت عَلَيْهِم الْمَائِدَة، وَعَلَيْهَا الْخبز وَاللَّحم، وَأمرُوا أَن لَا يدخروا مِنْهَا للغد، فادخروا وخانوا؛ فَأَصْبحُوا قردة وَخَنَازِير " وَفِي رِوَايَة: " أَصْبحُوا خنازير ". وَقيل: كَانَت خيانتهم أَن الْيَهُود قَالُوا لَهُم: إِن عِيسَى سحركم بالمائدة، وَلم يكن ثمَّ مائدة؛ فشكوا فِيهِ؛ فمسخوا خنازير، وَقيل: كَانَت خيانتهم أَن فِي الِابْتِدَاء كَانَ يَأْكُل مِنْهَا الْأَغْنِيَاء والفقراء؛ فَأَمرهمْ الله - تَعَالَى - أَن يَدْعُو لَهَا الْفُقَرَاء دون ﴿عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق إِن كنت قلته فقد عَلمته تعلم مَا فِي نَفسِي وَلَا أعلم﴾ الْأَغْنِيَاء؛ ابْتَلَاهُم؛ فَأكل الْأَغْنِيَاء وخالفوا، فَأَصْبحُوا خنازير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب