الباحث القرآني

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة الْفَتْح وَهِي مَدَنِيَّة فِي قَوْلهم جَمِيعًا، وَعَن بَعضهم: انها نزلت بَين مَكَّة وَالْمَدينَة عِنْد مُنْصَرفه من الْحُدَيْبِيَة، قَالَه مسور بن مخرمَة ومروان وَغَيرهمَا. وروى مَالك عَن زيد بن أسلم، عَن ابيه، عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي سفر فَقَالَ: " لقد انزلت البارحة عَليّ سُورَة هِيَ أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ثمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا﴾ أخرجه البُخَارِيّ عَن (القعْنبِي) عَن مَالك. وَرُوِيَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لما انصرفنا من مَكَّة وَقد منعنَا من نسكنا، وبنا من الْحزن والكآبة شَيْء عَظِيم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة، فَقَالَ النَّبِي: " هِيَ أحب إِلَيّ من جَمِيع الدُّنْيَا ". قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا﴾ أَي: قضينا لَك قَضَاء بَينا. وَمعنى الْقَضَاء هُوَ الحكم بالنصرة على الْأَعْدَاء، وَالْفَتْح فِي اللُّغَة هُوَ انفتاح المنغلق، وَقيل: هُوَ الْفَرح المزيل الْهم، وَمِنْه انفتاح الْمَسْأَلَة، وَهُوَ انكشاف الْبَيَان الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى البغية، وَأما معنى مَا وَقع عَلَيْهِ اسْم الْفَتْح، فالأكثرون من الْعلمَاء والمفسرين على أَنه صلح الْحُدَيْبِيَة، فَإِن قيل: كَيفَ يكون الصُّلْح فتحا؟ وَإِن كَانَ فتحا للْمُسلمين فَهُوَ فتح للْكفَّار أَيْضا؛ لِأَن الصُّلْح يشْتَمل على الْجَانِبَيْنِ، وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه قد أشكل هَذَا على عمر، " فَإِنَّهُ لما أنزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة، قَالَ عمر: يَا رَسُول الله، أفتح هُوَ؟ قَالَ: نعم ". وَقيل: إِنَّه أعظم فتح كَانَ فِي الْإِسْلَام؛ لِأَنَّهُ لما صَالح مَعَ الْمُشْركين ووداعهم فَكَانَ قد صَالح على وضع الْحَرْب عشر سِنِين، فاختلط الْمُشْركُونَ مَعَ الْمُسلمين بعد ذَلِك، وسمعوا الْقُرْآن، وَرَأَوا مَا عَلَيْهِ رَسُول الله وَأَصْحَابه فرغبوا فِي الْإِسْلَام، وَأسلم فِي مُدَّة الصُّلْح من الْمُشْركين أَكثر مِمَّا كَانَ أسلم فِي مُدَّة الْحَرْب، وَكثر سَواد الْإِسْلَام، وَأسلم فِي هَذِه الْمدَّة: خَالِد بن الْوَلِيد، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، وَعُثْمَان بن طَلْحَة الْعَبدَرِي، وَكثير من وُجُوه الْمُشْركين، وَقد كَانَ فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة بيعَة الرضْوَان، ووعد فتح خَيْبَر وَظُهُور الرّوم على الْفرس، وَكَانَ ذَلِك من معجزات الرَّسُول، وَكَانَ ذَلِك مِمَّا سر الْمُسلمين وساء الْمُشْركين؛ لِأَن الْمُسلمين كَانُوا يودون ظُهُور أهل الْكتاب، وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يودون ظُهُور الْفرس والعجم فحقق الله مَا يوده الْمُسلمُونَ وَكَانَ الْمُشْركُونَ قَالُوا حِين ظَهرت الْفرس على الرّوم: كَمَا ظهر الْفرس على الرّوم كَذَلِك نَحن نظهر عَلَيْكُم، فحين أظهر الله الرّوم على الْفرس كَانَ ذَلِك عَلامَة لظُهُور الْمُسلمين على الْمُشْركين. وَقيل فِي الْحُدَيْبِيَة: هُوَ إِبَاحَة الْحلق والنحر قبل بُلُوغ الْهَدْي مَحَله، وَفِي الْآيَة قَول آخر: وَهُوَ أَن المُرَاد من الْفَتْح هُوَ فتح مَكَّة، وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى وعده فتح مَكَّة فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب