الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب﴾ أَي: فاضربوا الرّقاب، وَضرب الرّقاب جزها وقطعها. وَفِي التَّفْسِير: " أَن قوما من الْمُسلمين كَانَ بَعثهمْ النَّبِي لقِتَال قوم من الْكفَّار، فأحرقوا بعض الْكفَّار؛ فَبلغ النَّبِي فَأنكرهُ، وَقَالَ: " إِنِّي مَا بعثت لأعذب بِعَذَاب الله أحدا ". فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وعلمهم كَيْفيَّة الْقَتْل. وَقَوله: ﴿حَتَّى إِذا أثخنتموهم﴾ الْإِثْخَان: بُلُوغ الْغَايَة فِي النكاية، وَيُقَال: الاستكثار من الْقَتْل. وَقَوله: ﴿فشدوا الوثاق﴾ أَي: فأسروهم وشدوهم. وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ كَيفَ نَشد الْأَسير؟ قَالَ: بِحَبل، قيل: هَل نَشد بالقد؟ قَالَ: ذَاك عَظِيم، وَقيل لَهُ: نَشد الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم. وَقَوله: ﴿فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا محكمَة، وَهُوَ الْمَعْرُوف. قَالَ مُجَاهِد وَغَيره: وَالْإِمَام بِالْخِيَارِ فِي الأسرى؛ إِن شَاءَ قتل، وَإِن شَاءَ فَادى، وَإِن شَاءَ من، وَإِن شَاءَ اسْترق، وَحكى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ قَول الشَّافِعِي وَكثير من الْأَئِمَّة. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ قَالَه قَتَادَة والسدى وَغَيرهمَا. ﴿يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل﴾ وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْآيَة ناسخة لقَوْله تَعَالَى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْركين﴾ ذكره الضَّحَّاك، وَلَا يجوز فِي الْأسر الْقَتْل. وَالْأول أولى الْأَقَاوِيل؛ لِأَنَّهُ قد ثَبت بروايات كَثِيرَة " أَن النَّبِي فَادى كثيرا من الْأُسَارَى، وَمن على كثير من الْأُسَارَى " على مَا ذكر فِي الْكتب الصَّحِيحَة. وَقَوله: ﴿حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا﴾ قَالَ قَتَادَة: حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم وَقَالَ سعيد بن جُبَير: حَتَّى ينزل عِيسَى [ابْن مَرْيَم] من السَّمَاء، وَيكسر الصَّلِيب، وَيسلم كل كَافِر. وَقد ثَبت أَن النَّبِي قَالَ: " لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة ". وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " حَتَّى يكون آخر من يُقَاتلُون الدَّجَّال ". وَفِي الْجُمْلَة لَا تضع الْحَرْب أَوزَارهَا مَا بَقِي فِي الْعَالم كَافِر حَرْبِيّ. قَوْله تَعَالَى: ﴿ذَلِك وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم﴾ أَي: فانتصر مِنْهُم بجند من الْمَلَائِكَة، أَو بِأَيّ جند أَرَادَ، والانتصار هَاهُنَا هُوَ الانتقام، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَو يَشَاء لم يَأْمُركُمْ بِقِتَال الْكفَّار، وانتقم بِنَفسِهِ مِنْهُم ﴿وَلَكِن ليبلو بَعْضكُم بِبَعْض﴾ أَي: ليبلو الْمُسلمين بالكافرين، والكافرين بِالْمُسْلِمين، مرّة تكون النُّصْرَة للْمُؤْمِنين، وَمرَّة تكون النُّصْرَة للْكَافِرِينَ مثل مَا كَانَ ببدر وَأحد، وَهُوَ تبلية الله كَيفَ يَشَاء لمن يَشَاء. وَقَوله: ﴿وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله﴾ أَي: الشُّهَدَاء. وَقَوله: ﴿فَلَنْ يضل أَعْمَالهم﴾ أَي: يثيبهم على أَعْمَالهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب