الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى ﴿وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم﴾ نزلت الْآيَة فِي مقيس بن ضَبَابَة اللَّيْثِيّ، أسلم وَأَخُوهُ هِشَام، ثمَّ وجد أَخَاهُ مقتولا فِي بني النجار؛ فجَاء إِلَى النَّبِي فِي ذَلِك، فَبعث مَعَه رجلا فهربا إِلَى بني النجار، وَأمرهمْ أَن يدفعوا إِلَيْهِ قَاتل أَخِيه، أَو يسلمُوا الدِّيَة، فجاءا إِلَيْهِم، وبلغا الرسَالَة فَقَالُوا: سمعا وَطَاعَة لرَسُول الله، وَالله مَا نَعْرِف الْقَاتِل، وَسَاقُوا الدِّيَة إِلَيْهِ مائَة من الْإِبِل؛ فَلَمَّا رجعا أقبل مقيس وَقتل الفِهري، وَاسْتَاقَ الْإِبِل، وَلحق بِمَكَّة وارتد، وَقَالَ الشّعْر:
(قتلت بِهِ فهرا وحملت عقله ... سراة بني النجار أَرْبَاب فارع)
(فأدركت ثَأْرِي واضطجعت مُوسِرًا ... وَكنت إِلَى الْأَوْثَان أول رَاجع)
فَنزلت الْآيَة فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي أَمر النَّبِي بقتْله؛ فجَاء الْجَمَاعَة الَّذين عينهم للْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة؛ فَقتل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقَوله: ﴿وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا﴾ فالقتل الْمُتَعَمد عِنْد أَكثر الْعلمَاء: هُوَ الَّذِي يحصل بِكُل مَا يقْصد بِهِ الْقَتْل، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب، وَطَاوُس: الْقَتْل الْعمد لَا يكون إِلَّا بالحديد ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه﴾ أَي: طرده عَن الرَّحْمَة ﴿وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما﴾ وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْآيَة مَدَنِيَّة لم ينسخها شئ؛ فَكَانَ يَقُول: لَيْسَ لقَاتل الْمُؤمن تَوْبَة، وَسُئِلَ عَن تَوْبَته؛ فَقَالَ: أَنى تكون لَهُ التَّوْبَة، فَقيل لَهُ: أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهانا إِلَّا من تَابَ﴾ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تِلْكَ آيَة مَكِّيَّة، وَهَذِه آيَة مَدَنِيَّة لم تنسخ بِشَيْء حَتَّى قبض رَسُول الله.
وَقَالَ زيد بن ثَابت: الشَّدِيدَة بعد الهينة بِسِتَّة أشهر، يَعْنِي بالهينة آيَة الْفرْقَان، وبالشديدة هَذِه الْآيَة.
وروى حميد، عَن أنس، عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " أَبى الله تَعَالَى أَن يكون لقَاتل الْمُؤمن تَوْبَة " وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي: " لقتل الْمُؤمن أعظم عِنْد الله من زَوَال الدُّنْيَا ".
وَالأَصَح، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة: أَن لقَاتل الْمُؤمن عمدا تَوْبَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ وآمن﴾ وَقَوله: ﴿وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء﴾ وَلِأَن الْقَتْل الْعمد لَيْسَ بأشد من الْكفْر، وَمن ﴿مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد﴾ الْكفْر تَوْبَة؛ فَمن الْقَتْل أولى، وَأما الَّذِي روى عَن ابْن عَبَّاس، فعلى سَبِيل التَّشْدِيد وَالْمُبَالغَة فِي الزّجر عَن الْقَتْل، وَهُوَ مثل مَا روى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: إِن لم يقتل يُقَال لَهُ: لَا تَوْبَة لَك، منعا لَهُ عَن الْقَتْل، وَإِن قتل يُقَال لَهُ: لَك تَوْبَة، حَتَّى يَتُوب. وروى أَن رجلا جَاءَ إِلَى ابْن عَبَّاس وَسَأَلَهُ: هَل لقَاتل الْمُؤمن تَوْبَة، قَالَ: لَا، فَجَاءَهُ آخر، وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: نعم، لَهُ تَوْبَة، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِن الأول لم يكن قتل؛ فمنعته عَن الْقَتْل، وَإِن الثَّانِي؛ قتل؛ فأرشدته إِلَى التَّوْبَة.
وَاعْلَم أَن لَا مُتَعَلق فِي هَذِه الْآيَة لمن يَقُول بالتخليد فِي النَّار لأهل الْكَبَائِر من الْمُسلمين؛ لأَنا إِن نَظرنَا إِلَى سَبَب نزُول الْآيَة، فالآية نزلت فِي قَاتل كَافِر كَمَا بَينا، وَقيل: إِنَّه فِيمَن يقتل مستحلا، وَالْأولَى أَن تَقول فِيهِ مَا قَالَه أَبُو صَالح: إِن معنى قَوْله: ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا﴾ إِن جازى، وَبِه نقُول: إِن الله تَعَالَى إِن جازاه ذَلِك خَالِدا، فَهُوَ جَزَاؤُهُ، وَلكنه رُبمَا لَا يجازي، وَقد وعد أَن لَا يجازى وَيغْفر لمن يَشَاء، وَهُوَ لَا يخلف الميعاد، وَحكى عَن قُرَيْش بن أنس رَحمَه الله أَنه قَالَ: كنت فِي مجْلِس فِيهِ عَمْرو بن عبيد، فَقَالَ: لَو قَالَ الله لي يَوْم الْقِيَامَة: لم قلت بتخليد الْقَاتِل الْمُتَعَمد فِي النَّار؟ فَأَقُول لَهُ: أَنْت الَّذِي قلت: ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا﴾ قَالَ قُرَيْش: وَكنت أَصْغَر الْقَوْم، فَقلت لَهُ: أَرَأَيْت لَو قَالَ الله تَعَالَى لَك: أَلَسْت قلت ﴿وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء﴾ فَمن أَيْن علمت أَنى لم أشأ مغْفرَة الْقَاتِل؟ فَسكت وَلم يسْتَطع الْجَواب.
وَحكى أَن عَمْرو بن عبيد جَاءَ إِلَى أبي عَمْرو بن الْعَلَاء رَحمَه الله وَقَالَ لَهُ: هَل يخلف الله وعده؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا﴾ فَأَنا على هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يخلف وعده، فَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَمن العجمة أتيت يَا أَبَا عُثْمَان؛ إِن الْعَرَب لَا تعد الإخلاف فِي الْوَعيد خلفا وذما، وَإِنَّمَا ذَلِك فِي الْخلف فِي الْوَعْد، وَأنْشد لَهُ قَول الْقَائِل فِيهِ:
(إِنِّي إِذا أوعدته وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي)
فقد تمدح بالخلف فِي الْوَعيد، وَقَالَ آخر:
(وَإِذا وعد السَّرَّاء أنْجز وعده ... وَإِن وعد الضراء فالعفو مانعه)
فَالله تَعَالَى يجوز أَن يخلف فِي الْوَعيد، وَإِنَّمَا لَا يخلف الميعاد.
{"ayah":"وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنࣰا مُّتَعَمِّدࣰا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق