الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان﴾ أَي: اختبرنا سُلَيْمَان فابتليناه، وَيُقَال: فتنا سُلَيْمَان أَي: ألقيناه فِي الْفِتْنَة.
وَقَوله: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا ثمَّ أناب﴾ ذهب أَكثر الْمُفَسّرين إِلَى أَن الْجَسَد الَّذِي ألقِي على كرْسِي سُلَيْمَان هُوَ صَخْر الجني.
قَالَ السّديّ: كَانَ اسْمه حبقيق، وَعَن بَعضهم: ان اسْمه كَانَ آصف، وَالْمَعْرُوف هُوَ الأول، وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَأما قصَّته: فزعموا أَن صخرا كَانَ شَيْطَانا ماردا لَا يقوى عَلَيْهِ أحد، فَابْتلى الله تَعَالَى سُلَيْمَان بِهِ، وسلبه ملكه، وَقعد هَذَا الشَّيْطَان على كرسيه يقْضِي بَين النَّاس، وَكَانَ سَبَب ذَلِك فِيمَا زَعَمُوا أَن ملك سُلَيْمَان كَانَ فِي خَاتمه، قَالَ وهب: وَكَانَ ذَلِك الْخَاتم فَمَا ألبسهُ الله تَعَالَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجنَّة، وَكَانَ يضيء كضوء الشَّمْس، فَلَمَّا أكل آدم من الشَّجَرَة، وَعصى الله تَعَالَى سلب الْخَاتم.
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أنزلهُ على سُلَيْمَان، وَعقد بِهِ ملكه، قَالُوا: وَكَانَ الْخَاتم مربعًا لَهُ أَرْبَعَة أَرْكَان، فِي ركن مِنْهُ مَكْتُوب: أَنا الله لم أزل، وَفِي الرُّكْن الثَّانِي مَكْتُوب: أَنا الله الْحَيّ القيوم، وَفِي الرُّكْن الثَّالِث مَكْتُوب: أَنا الْعَزِيز لَا عَزِيز غَيْرِي، وَفِي الرُّكْن الرَّابِع مَكْتُوب: مُحَمَّد رَسُول الله.
وَيُقَال: كَانَ الْمَكْتُوب عَلَيْهِ آيَة الْكُرْسِيّ، قَالُوا: وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل مغتسله سلم الْخَاتم إِلَى جَارِيَة لَهُ، فَدخل مرّة وَسلم الْخَاتم إِلَى الْجَارِيَة، فجَاء صَخْر فِي صُورَة سُلَيْمَان فَأخذ الْخَاتم من الْجَارِيَة، وَخرج سُلَيْمَان يطْلب الْخَاتم، فَقَالَت: قد أخذت مني الْخَاتم مرّة، فَعلم [سُلَيْمَان] أَن الله تَعَالَى سلبه ملكه.
وَذهب سُلَيْمَان يسيح فِي الأَرْض، وَلم يعرفهُ أحد بصورته، وَكَانَ يستطعم النَّاس وَيَقُول: أَنا سُلَيْمَان بن دَاوُد، فيكذبونه ويؤذونه ويزعمون أَنه مَجْنُون. حَتَّى روى أَنه استطعم مرّة من قوم وَزعم أَنه سُلَيْمَان بن دَاوُد، فَقَامَ رجل وشج رَأسه بعصا فِي يَده، ثمَّ إِنَّهُم أَعْطوهُ كسرة يابسة، فَحمل الكسرة إِلَى شط نهر ليبليها بِالْمَاءِ، وَكَانَ جائعا لم يصب طَعَاما مُنْذُ أَيَّام، فَذهب المَاء بالكسرة.
وَيُقَال: إِنَّه كَانَ على شط الْبَحْر، فَجَاءَت موجة وحملت الكسرة، فَدخل هُوَ الْبَحْر فِي إثْرهَا حَتَّى خَافَ الْغَرق فَرجع وَرجعت الكسرة ثمَّ إِنَّه طمع فِيهَا وَذهب ليأخذها، فَذَهَبت الكسرة، هَكَذَا مَرَّات؛ فَبكى سُلَيْمَان وتضرع إِلَى الله تَعَالَى فرحمه الله تَعَالَى ورد إِلَيْهِ ملكه.
وَكَانَ سَبَب رد ملكه إِلَيْهِ أَنه مر على قوم صيادين؛ فَسَأَلَهُمْ شَيْئا ليأكله فَأَعْطوهُ سَمَكَة ميتَة، فشق جوفها، فَوجدَ خَاتِمَة فِيهَا، فَجعله فِي إصبعه، وَعَاد إِلَيْهِ ملكه، وعكفت الطير فِي الْوَقْت على رَأسه، وَاجْتمعَ إِلَيْهِ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين.
وَأما مُدَّة ذهَاب ملكه كَانَ [أَرْبَعِينَ] يَوْمًا، وَأما حَدِيث صَخْر الجني فَإِنَّهُ لما أَخذ الْخَاتم، وَقد تحول فِي صُورَة سُلَيْمَان، ذهب وَقعد على كرسيه، وَجعل ينفذ مَا كَانَ ينفذهُ سُلَيْمَان إِلَّا أَن الله تَعَالَى مَنعه نسَاء سُلَيْمَان، هَكَذَا رُوِيَ عَن الْحسن.
وَقد ذكر غَيره أَنه كَانَ يُصِيب من نسَاء سُلَيْمَان فِي الْحيض، وَذكر أَنه يُصِيب فِي الْحيض وَغير الْحيض، وَالله أعلم.
وَاخْتلف القَوْل فِي أَنه هَل بَقِي مَعَه الْخَاتم أَولا؟ فأحد الْقَوْلَيْنِ: أَنه ذهب وَطرح الْخَاتم فِي الْبَحْر.
وَالْقَوْل الآخر: أَنه كَانَ مَعَه، وَالْقَوْل الْأَشْهر أولى وَأعرف.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن بني إِسْرَائِيل أَنْكَرُوا أَمر صَخْر الجني؛ لِأَنَّهُ كَانَ يقْضِي بِغَيْر الْحق؛ فَذَهَبُوا إِلَى نسَاء سُلَيْمَان، وَقَالُوا لَهُنَّ: تنكرون من أَمر سُلَيْمَان شَيْئا، فَقُلْنَ: نعم؛ فَحِينَئِذٍ وَقع فِي قلبهم أَن سُلَيْمَان قد ابْتُلِيَ، وَأَن الله تَعَالَى سلبه ملكه، وَأَن الشَّخْص الَّذِي على الْكُرْسِيّ شَيْطَان.
فَأخذُوا التَّوْرَاة وَجَاءُوا إِلَى حول الْكُرْسِيّ وَجعل يقرءونها؛ فطار صَخْر إِلَى أشرف الْقصر، ثمَّ طَار من شرف الْقصر وَمر فَوَقع فِي الْبَحْر.
وَفِي التَّفْسِير: أَن الله تَعَالَى لما رد على سُلَيْمَان ملكه، أَمر الشَّيَاطِين يطْلب صَخْر، فوجدوه وَحَمَلُوهُ إِلَى سُلَيْمَان؛ فصفده بالحديد، وَجعله فِي صندوق، وألقاه فِي الْبَحْر، فَهُوَ فِي الْبَحْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَأما السَّبَب [الَّذِي] ابْتُلِيَ الله لأَجله سُلَيْمَان، فَفِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة:
أَحدهَا: أَن الله تَعَالَى كَانَ أمره أَلا يتَزَوَّج امْرَأَة من غير بني إِسْرَائِيل، فَخَالف وَتزَوج امْرَأَة من غَيرهم، فابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه تزوج بِامْرَأَة؛ فعبدت الْمَرْأَة صنما فِي دَاره من غير أَن يشْعر سُلَيْمَان بذلك، فابتلاه الله تَعَالَى لِغَفْلَتِه، وَهَذَا قَول مَشْهُور.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه كَانَت عِنْده امْرَأَة، وَكَانَ يُحِبهَا حبا شَدِيدا، فخاصم أَخُوهَا إِلَى سُلَيْمَان فِي شَيْء مَعَ إِنْسَان، فطلبت الْمَرْأَة من سُلَيْمَان أَن يقْضِي لأَخِيهَا؛ فَقَالَ لَهَا: نعم، وَلم يفعل ذَلِك، فابتلاه الله تَعَالَى.
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَنه احتجب من النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام، وَلم ياذن لأحد، ذكره شهر بن حَوْشَب، وابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا، وَأوحى الله تَعَالَى يَا سُلَيْمَان، إِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُك وأعطيتك هَذَا الْملك؛ لتنصف المظلومين، وَتَكون عونا للضعفاء على الأقوياء، وَلم أعطك لتحتجب عَن النَّاس.
وَالْقَوْل الْخَامِس: أَنه قَالَ مرّة: وَالله لأطوفن اللَّيْلَة على نسَائِي، وَكَانَ لَهُ ثلثمِائة امْرَأَة، وَسَبْعمائة سَرِيَّة، ولتحملن كل امْرَأَة مِنْهُنَّ، وتلد غُلَاما يُقَاتل فِي سَبِيل الله، فَقَالَ لَهُ الْملك: قل إِن شَاءَ الله، فَلم يقل، فَلم تحمل امْرَأَة مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة حملت، فَولدت نصف إِنْسَان، وابتلاه الله تَعَالَى.
وَهَذَا خبر مَرْفُوع إِلَى النَّبِي وعَلى هَذَا القَوْل كَانَ الْجَسَد الَّذِي ألقِي على كرسيه هُوَ وَلَده، وَذكر بَعضهم: أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ولدله ابْن، فخاف عَلَيْهِ من الشَّيَاطِين، فأودعه السَّحَاب لتربيه؛ فَسقط على كرسيه مَيتا، فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وألقينا على كرسيه جسدا﴾ وَالله أعلم.
وَالْقَوْل السَّادِس: مَا رُوِيَ عَن الْحسن قَالَ: إِنَّه كَانَ أصَاب من بعض نِسَائِهِ فِي حَالَة الْحيض، فابتلاه الله تَعَالَى بِمَا ذكرنَا، وَالله أعلم بِمَا كَانَ، وَلَا شكّ أَن الْآيَة تدل على أَن الله تَعَالَى قد أقعد على كرسيه غَيره، وسلبه شَيْئا كَانَ لَهُ.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أناب﴾ أَي: رَجَعَ إِلَى ملكه.
{"ayah":"وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَـٰنَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِۦ جَسَدࣰا ثُمَّ أَنَابَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











