الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه﴾ فِي الْآيَة أَقْوَال: أَحدهَا: مَا ذكر السّديّ وَغَيره: أَن رجلا كَانَ يُقَال لَهُ: جميل بن معمر وَالأَصَح أَبُو معمر جميل ابْن أَسد، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسمونه ذَا القلبين لشدَّة ذكائه وفطنته، فَلَمَّا هزم الله تَعَالَى الْمُشْركين يَوْم بدر فَكَانَ هُوَ مَعَهم انهزم أَيْضا؛ فَلَقِيَهُ أَبُو سُفْيَان وَإِحْدَى نَعْلَيْه فِي رجله وَالْأُخْرَى قد علق بِيَدِهِ. فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْن النَّاس؟ قَالَ: هزموا. فَقَالَ: مَا شَأْن نعلك بِيَدِك؟ فَقَالَ: مَا علمت إِلَّا أَنَّهَا فِي رجْلي؛ فَعَلمُوا أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا قلب وَاحِد، وَأنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَ: لمُحَمد قلبان؛ قلب مَعكُمْ، وقلب مَعَ أَصْحَابه؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة وَأخْبر أَنه لَيْسَ لَهُ إِلَّا قلب وَاحِد. وَالْقَوْل الثَّالِث: مَا رُوِيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ الْوَاحِد مِنْهُم يَقُول: إِن لي نفسا تَأْمُرنِي بِالْخَيرِ، ونفسا تَأْمُرنِي بِالشَّرِّ؛ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، وَأخْبر أَنه لَيْسَ لأحد إِلَّا نفس وَاحِدَة وقلب وَاحِد، وَإِنَّمَا الْأَمر بِالْخَيرِ بإلهام الله، وَالْأَمر بِالشَّرِّ بإلهام الشَّيْطَان. وَالْقَوْل الرَّابِع: مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه أَي: مَا جعل لرجل أبوين، وَقد احْتج بِهِ الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة القائفة، وَقَالَ هَذَا: لِأَن زيد بن حَارِثَة كَانَ ينْسب إِلَى النَّبِي بِالنُّبُوَّةِ، فَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿مَا جعل الله لرجل﴾ أبوين أَي: هُوَ ابْن حَارِثَة، وَلَيْسَ بِابْن النَّبِي. وَقَوله: ﴿وَمَا جعل أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم﴾ وَالظِّهَار هُوَ أَن يَقُول الرجل لزوجته: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، وَقد كَانُوا يعدونه طَلَاقا، فَإِن قيل: كَيفَ وَجه الْجمع بَين هَذَا وَبَين مَا سبق؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن مَعْنَاهُ لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمتم من اجْتِمَاع قلبين لرجل أَو أبوين، وَلَا كَمَا زعمتم من أَن الْمَرْأَة تصير كالأم بالظهار. وَأما معنى الظِّهَار وَحكمه فسنذكر فِي سُورَة المجادلة. وَقَوله: ﴿وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم﴾ فِي الْآيَة نسخ التبني، وَقد كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يتبنى الرجل ويجعله ابْنا لَهُ مثل الابْن الْمَوْلُود، وعَلى ذَلِك تبنى رَسُول الله زيد بن حَارِثَة، فنسخ الله تَعَالَى ذَلِك. وَقَوله: ﴿ذَلِكُم قَوْلكُم بأفواهكم﴾ أَي: هُوَ قَول لَا حَقِيقَة لَهُ. وَقَوله: ﴿وَالله يَقُول الْحق﴾ أَي: قَوْله الْحق بِمَا نهى من التبني. وَقَوله: ﴿وَهُوَ يهدي السَّبِيل﴾ أَي: يرشد إِلَى طَرِيق الْحق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب