الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿قيل لَهَا ادخلي الصرح﴾ الصرح فِي أصل اللُّغَة هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع، ذكره أَبُو عبيد فِي غَرِيب المُصَنّف وَغَيره. وَأما الصرح هَاهُنَا فَفِيهِ أَقْوَال: قَالَ مُجَاهِد: هُوَ بركَة من المَاء ألبس قَوَارِير. وَقَالَ الزّجاج: الصرح والصرحة والساحة والباحة بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الصحن. وَعَن بَعضهم: أَن الصرح هُوَ الْقصر، وَقيل: هُوَ الْبَيْت. وَفِي الْقِصَّة: أَن الْجِنّ قَالُوا لِسُلَيْمَان: إِن مُؤخر رجلهَا كحافر الْحمار، وَهِي هلباء شعراء، وَكَانُوا خَشوا أَن يَتَزَوَّجهَا سُلَيْمَان فتطلعه على أسرار الْجِنّ، وَكَانَت أمهَا جنية، فَأَرَادَ سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - أَن يرى رجلهَا، فَأمر باتخاذ بركَة عَظِيمَة، وَجعل فِيهَا من الْحيتَان والضفادع وَمَا أشبههَا شَيْئا كثيرا، ثمَّ أَمر أَن يلبس المَاء غشاء من قَوَارِير. وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه اتخذ صحنا من قَوَارِير، وَجعل تَحْتَهُ تماثيل من الْحيتَان والضفادع، وَكَانَ الْوَاحِد إِذا رَآهُ ظَنّه مَاء. وروى أَن سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - أَمر بسريره حَتَّى وضع فِي وسط الصرح، ثمَّ دَعَاهَا إِلَى مَجْلِسه، فَلَمَّا وصلت إِلَى الصرح وَنظرت ظنت أَنه مَاء، فَكشفت عَن سَاقيهَا لتدخل فِي المَاء، فصاح سُلَيْمَان: ﴿إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير﴾ وَرَأى سَاقيهَا، وَكَانَ عَلَيْهَا شعر كثير. وَذكر بَعضهم: أَنه رأى قدما لطيفا وساقا حسنا وَعَلِيهِ شعر. فَإِن قَالَ قَائِل: لم طلب سُلَيْمَان هَذِه الرُّؤْيَة؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ أَن يعرف صدق الْجِنّ وكذبهم، وَالْآخر: أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بهَا، فقصد أَن ينظر إِلَى سَاقيهَا، وَقد كَانُوا قَالُوا: إِن عَلَيْهِ شعرًا. وَقد ذكر أهل التَّفْسِير: أَن سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ للشياطين: مَا الَّذِي يذهب الشّعْر؟ فاتخذوا النورة، وَهُوَ أول من اتخذ الْحمام والنورة. [وَقَوله: ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا قَالَ إِنَّه صرح] ممرد﴾ . أَي: مملس، وَقيل: الممرد هُوَ الْوَاسِع طولا وعرضا، قَالَ الشَّاعِر: (غَدَوْت صباحا باكرا فوجدتهم ... قبيل الضحا والبابلي الممرد) أَي: وَقَوله: ﴿ [من قَوَارِير] . قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي﴾ أَي: بالشرك، وَيُقَال: إِنَّهَا لما بلغت الصرح وظنته لجة، وَهُوَ مَاء لَهُ عمق، قَالَت فِي نَفسهَا: إِن سُلَيْمَان يُرِيد أَن يغرقني، وَقد كَانَ الْقِتَال أَهْون من هَذَا. وَقَوله: ﴿ظلمت نَفسِي﴾ يَعْنِي، بِذَاكَ الظَّن. وَقَوله: ﴿وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وكل من أسلم بِنَبِي فَهُوَ مَعَ ذَلِك النَّبِي فِي الْإِسْلَام بِاللَّه. وَقد ذكر بَعضهم: أَنه تزوج بهَا. وروى أَن عبد الله بن عتبَة سُئِلَ عَن ذَلِك، فَقَالَ: انْتهى إِلَى قَوْله: ﴿وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين﴾ يَعْنِي: أَنه لَا علم وَرَاء ذَلِك. وَأما مُدَّة ملك سُلَيْمَان: اخْتلفُوا فِيهِ، فروى أَن الْملك وصل إِلَيْهِ وَهُوَ ابْن ثَلَاث [عشرَة] سنة، وَمَات وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَخمسين، وَفِي بعض الرِّوَايَات عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ: أَنه ملك سَبْعمِائة سنة، وَهَذِه رِوَايَة غَرِيبَة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب