الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم﴾ اعْلَم أَن الله تَعَالَى لما ذكر الْمثل فِي حق الْمُؤمنِينَ أعقبه بِالْمثلِ فِي حق الْكفَّار. وَقَوله: ﴿كسراب﴾ السراب: مَا يرى نصف النَّهَار شبه المَاء الْجَارِي على الأَرْض، وَأكْثر مَا يرَاهُ العطشان. قَالَ الْفراء: السراب مَا لزم الأَرْض، والآل مَا ارْتَفع من الأَرْض، وَهُوَ شُعَاع بَين السَّمَاء وَالْأَرْض شبه الملاة، يرى فِيهِ الصَّغِير كَبِيرا، والقصير طَويلا. وَقَالَ غَيره: السراب نصف النَّهَار، والآل بالغدوات، والرقراق بالعشايا، قَالَ الشَّاعِر: (فَلَمَّا كففنا الْحَرْب كَانَت عهودهم ... كَلمعِ سراب بالفلا متألق) وَقَوله: ﴿بقيعة﴾ القاع: هُوَ الأَرْض المنبسطة. وَقَوله: ﴿إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا﴾ أَي: لم يجده شَيْئا مِمَّا أمل وَحسب. وَقَوله: ﴿وَوجد الله عِنْده﴾ أَي: عِنْد علمه، وَمَعْنَاهُ: أَنه لَقِي الله فِي الْآخِرَة. ﴿فوفاه حسابه﴾ أَي: جَزَاء عمله، قَالَ الشَّاعِر: (فولى مُدبرا هوى حثيثا ... وأيقن أَنه لَاقَى الحسابا) وَقَوله: ﴿وَالله سريع الْحساب﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَاعْلَم أَن فِي نزُول الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا نزلت فِي شيبَة بن ربيعَة - وَكَانَ يطْلب الدّين قبل أَن يبْعَث النَّبِي - فَكَانَ يلبس الصُّوف، وَيَأْكُل الشّعير، ثمَّ لما بعث النَّبِي كفر بِهِ. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة نزلت فِي جَمِيع الْكفَّار، وَالْمرَاد من الْآيَة: تَشْبِيه أَعْمَالهم بِالسَّرَابِ، وأعمالهم هِيَ مَا اعتقدوها خيرا، من الْحَج وصلَة الْأَرْحَام، وَحسن الْجوَار، وقرى الضَّيْف، وَالْوَفَاء بالعهد، وَمَا أشبه ذَلِك، فَذكر الله تَعَالَى أَن هَذِه الْأَعْمَال كسراب حِين لم يصدر عَن مُؤمن، فَهُوَ يَرْجُو مِنْهَا الْخَيْر وَالثَّوَاب، وَإِذا وصل إِلَيْهَا أخلفه ظَنّه، وَلم يحصل على شَيْء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب