الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿الزَّانِيَة وَالزَّانِي﴾ قَالَ أهل الْعلم: إِنَّمَا بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ، لِأَن رقة الْقلب عَلَيْهِنَّ أَكثر، فَبَدَأَ بِهن لِئَلَّا يتْرك إِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا، وَيكون أمرهَا لَهُم، وَمِنْهُم من قَالَ: لِأَن الشَّهْوَة فِيهِنَّ أَكثر، وَالزِّنَا نتيجة الشَّهْوَة، وَبَدَأَ فِي حد السّرقَة بِالرجلِ؛ لِأَن الْقُوَّة والجراءة فِي الرِّجَال أَكثر، وَالسَّرِقَة نتيجة الْقُوَّة والجراءة، وَهَذَا قَول حسن. وَقَوله: ﴿فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة﴾ الْجلد: ضرب الْجلد، يُقَال: جلدته إِذا ضربت جلده، وبطنته إِذا ضربت بَطْنه، وظهرته إِذا ضربت ظَهره، وَفِي الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْآيَة عَامَّة فِي الْأَبْكَار وَالثَّيِّب، فتجلد الثّيّب مَعَ الرَّجْم. رُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - " أَنه جلد شراحة الهمدانية يَوْم الْخَمِيس مائَة، ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بِسنة رَسُول الله ". وَأما قَول عَامَّة الْعلمَاء فَهُوَ: أَن الْآيَة مَخْصُوصَة للأبكار، وَأَن الثّيّب يرْجم وَلَا يجلد، وَاتفقَ أهل الْعلم أَن هَذِه الْآيَة ناسخة؛ لِأَن الْمَذْكُورَة فِي الْإِمْسَاك فِي سُورَة النِّسَاء. وَقد رُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي نزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَنحن عِنْده، وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي تغير وَجهه، وصرفنا أبصارنا عَنهُ، فَلَمَّا سرى عَنهُ قَالَ: " لِتَأْخُذُوا عني فَقُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله، فَقَالَ: قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا، الثّيّب بِالثَّيِّبِ الرَّجْم، وَالْبكْر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام ". وَذكر النقاش أَن فِي حرف أبي بن كَعْب فِي سُورَة الْأَحْزَاب، " الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم ". وَكَانَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - قد هم أَن يكْتب هَذَا على حَاشِيَة الْمُصحف ثمَّ ترك لِئَلَّا يلْحق بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَقَوله: ﴿وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله﴾ وقرىء: " رافة " بِغَيْر همز، وقرىء فِي الشاذ: " رآفة " يَعْنِي: رَحْمَة. وَاعْلَم أَن الرَّحْمَة والرأفة معنى فِي الْقلب لَا ينْهَى عَنهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجد فِي الْقلب من غير اخْتِيَار إِنْسَان، وَإِنَّمَا معنى الْآيَة: اسْتِعْمَال الرَّحْمَة فِي (تَعْطِيل الْحَد) وتخفيفه. وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عمر أَنه ضرب أمة لَهُ الْحَد، وَكَانَت قد زنت، فَجعل يضْرب رجلهَا وظهرها، فَقَالَ لَهُ سَالم ابْنه: ﴿وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله﴾ فَقَالَ: يَا بني: إِن الله لم يَأْمُرنِي بقتلها، وَلَا بِضَرْب رَأسهَا، وَقد ضربت فأوجعت. وَقد قَالَ أهل الْعلم: يجْتَهد فِي جلدَة الزَّانِي مَا لَا يجْتَهد فِي جلدَة شَارِب الْخمر لنَصّ الْكتاب. (وَقَوله: ﴿فِي دين الله﴾ أَي: فِي حكم الله) . وَقَوله: ﴿إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَحَقِيقَة مَعْنَاهُ: أَن الْمُؤمن لَا تَأْخُذهُ رَحْمَة ورقة إِذا جَاءَ أَمر الرب. وَقَوله: ﴿وليشهد عَذَابهَا طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: وَاحِد فَمَا فَوْقه. وَعَن عَطاء: رجل إِلَى ألف رجل. وَعَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة: رجلَانِ. وَعَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة: ثَلَاثَة نفر. وَقَالَ مَالك: أَرْبَعَة نفر، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَجَمَاعَة من أهل الْعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب