الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة﴾ تَقْدِيره: ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم، وَإِلَى الَّذِي مر على قَرْيَة؟ وَقيل: تَقْدِيره: هَل رَأَيْت كَالَّذي حَاج إِبْرَاهِيم، وكالذي مر على قَرْيَة؟ . ﴿عروشها قَالَ أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه قَالَ كم﴾ وَاخْتلفُوا فِي الَّذِي مر على قَرْيَة، فَقَالَ قَتَادَة: هُوَ عَزِيز النَّبِي. وَقَالَ وهب: هُوَ إرمياء النَّبِي. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: هُوَ الْخضر عَلَيْهِم السَّلَام. وَالصَّحِيح: أَنه كَانَ عَزِيز النَّبِي مر على قَرْيَة، يَعْنِي: على بَيت الْمُقَدّس. وَقَوله: ﴿وَهِي خاوية على عروشها﴾ قيل: كَانَت السقوف سَاقِطَة على الأَرْض، وَكَانَت الجدران متساقطة على السقوف، فَهِيَ الخاوية على عروشها. وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا كَانَت خَالِيَة، وَكَانَ قد خربها، بخْتنصر الْملك البابلي. وَقَوله: ﴿قَالَ أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا﴾ وَفِي الْقِصَّة: أَن عَزِيزًا مر [بهَا] وَهُوَ على حمَار وَمَعَهُ التِّين والعصير فَقَالَ: إِنِّي يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا؟ ! فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا، وَهَذَا يكون سَببه الشَّك فِي قدرته؟ قيل: لم يكن شاكا فِيهِ؛ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك استبعادا على مَا يُقَال فِي الْعَادة، أَي: لَا يحي هَذِه الله بعد خرابها. قَالَ عَطاء: دخل فِي قلبه مَا يدْخل فِي قُلُوب النَّاس. وَقَوله: ﴿فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه﴾ أَي: أَحْيَاهُ، وَإِنَّمَا سمى الْإِحْيَاء بعثا؛ لِأَنَّهُ إِذا أحيي يبتعث للأمور. وَفِي الْقِصَّة: أَنه لما قَالَ تِلْكَ الْمقَالة غَلَبَة النّوم، فَقبض الله روحه مئة عَام، وَبعث ملكا عمر بَيت الْمُقَدّس فِي تِلْكَ الأعوام، ثمَّ لما أَحْيَاهُ بعث إِلَيْهِ ملكا فَسَأَلَهُ: كم لَبِثت؟ فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿قَالَ كم لَبِثت﴾ وَقَوله: ﴿قَالَ لَبِثت يَوْمًا أَبُو بعض يَوْم﴾ لِأَن الله تَعَالَى إِنَّمَا أَمَاتَهُ فِي أول النَّهَار وَبَعثه فِي آخر النَّهَار وَقبل غرُوب الشَّمْس، فَقَالَ: ﴿لَبِثت قَالَ لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم قَالَ بل لَبِثت مائَة عَام فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه وَانْظُر إِلَى حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ﴾ لَبِثت يَوْمًا، ثمَّ نظر إِلَى الشَّمْس لم تغرب بعد، فَقَالَ: أَو بعض يَوْم ﴿قَالَ﴾ يَعْنِي الْملك: ﴿بل لَبِثت مئة عَام فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه﴾ أَي: لم يتَغَيَّر؛ فَإِن التِّين الَّذِي كَانَ مَعَه لم يتَغَيَّر؛ كَأَنَّهُ قطف من سَاعَته، وَكَذَلِكَ الْعصير كَأَنَّهُ عصر من سَاعَته. قَالَ الْكسَائي: لم يتسنه، مَعْنَاهُ: كَأَنَّهُ لم تأت عَلَيْهِ السنون، وقطف من سَاعَته. وَقَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ لم ينتن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى ﴿من حمأ مسنون﴾ . وَقيل: أَصله لم يتسنن، فقلبت إِحْدَى النونين هَاء وَمثله فِي كَلَام الْعَرَب كثير، مثل: يتمطى كَانَ فِي الأَصْل (يتمطط) ، فقلبت إِحْدَى الطائين يَاء. وَقَالَ الشَّاعِر: (يقْضِي الْبَازِي إِذا الْبَازِي انْكَسَرَ ... ) وَكَانَ فِي الأَصْل: (يقضض الْبَازِي) . وَقَوله: ﴿وَانْظُر إِلَى حِمَارك﴾ قيل: فَنظر إِلَيْهِ، فَإِذا عِظَام بيض تلوح نخرة فَركب الله تَعَالَى الْعِظَام بَعْضهَا على بعض، وَجعله حمارا من عِظَام، ثمَّ أَدخل فِيهِ الدَّم، ثمَّ كَسَاه الْجلد، ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح، فَقَامَ الْحمار ونهق، وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ولنجعلك آيَة للنَّاس وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها﴾ يقْرَأ بقرائتين بالراء: نحييها، وبالزاي: يركب بَعْضهَا على بعض، من النشز، وَهُوَ الِارْتفَاع. وَقَوله: ﴿ثمَّ نكسوها لَحْمًا﴾ فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وتقديرها: وَانْظُر إِلَى حِمَارك، وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها، ثمَّ نكسوها لَحْمًا لنحييها. وَقَوله: ﴿ولنجعلك آيَة للنَّاس﴾ وَبَيَان الْآيَة فِيهِ: أَنه بعث شَابًّا، وَابْنه شيخ. قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَمَاتَهُ الله وَهُوَ ابْن خمسين سنة وَامْرَأَته حَامِل، ثمَّ بعث بعد مئة سنة وَهُوَ ابْن خمسين، وَابْنه [ابْن] مئة سنة. وَقَوله: ﴿فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم﴾ فَلَمَّا ظَهرت لَهُ قدرَة الله تَعَالَى على عمَارَة بَيت الْمُقَدّس، وإحياء الْمَوْتَى ﴿قَالَ أعلم﴾ يقْرَأ بقراءتين: على الْخَبَر، وعَلى الْأَمر، أما على الْخَبَر فَمَعْنَاه: علمت أَن الله على كل شَيْء قدير، وَأما على الْأَمر قَالَ لنَفسِهِ: ﴿أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب