الباحث القرآني

وَقَوله: ﴿يَا أَيهَا النَّاس﴾ يعْنى: يَا هَؤُلَاءِ النَّاس. وَهَذَا وَإِن عَمت صيغته وَلَكِن دخله الْخُصُوص؛ فَإِنَّهُ لَا يتَنَاوَل الصغار والمجانين. ﴿اعبدوا﴾ أَي: وحدوا. قَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا ورد فِي الْقُرْآن من الْعِبَادَة فَهُوَ بِمَعْنى التَّوْحِيد، وكل مَا ورد فِي الْقُرْآن من التَّسْبِيح والسبحة فَهُوَ بِمَعْنى الصَّلَاة. وَقَوله: ﴿اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم﴾ أَي: وحدوا الله الَّذِي خَلقكُم. وَإِنَّمَا خاطبهم بِهِ؛ لِأَن الْكفَّار مقرون أَن الله خالقهم، والخلق: هُوَ اختراع الشَّيْء على غير مِثَال سبق. ﴿وَالَّذين من قبلكُمْ﴾ أَي: وَخلق الَّذين من قبلكُمْ. فَإِن قيل: أَي فَائِدَة فِي قَوْله: ﴿وَالَّذين من قبلكُمْ﴾ فَإِن من عرف أَن الله خالقه فقد عرف أَنه خَالق غَيره من قبله؟ قيل: فَائِدَته الْمُبَالغَة فِي الْبَيَان، أَو يُقَال: فَائِدَته الْمُبَالغَة فِي الدعْوَة، يعْنى: إِذا كَانَ الله خالقكم وخالق من قبلكُمْ فَلَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه. وَفِيه إِشَارَة لِأَنَّهُ خلق الْأَوَّلين وأماتهم وابتلاهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة؛ فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنى أفعل بكم مَا فعلت بهم. ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾ قيل مَعْنَاهُ: لكَي تتقوا، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَقيل مَعْنَاهُ: كونُوا على رَجَاء التَّقْوَى. فَإِن قَالَ قَائِل: التَّقْوَى [هِيَ] (١) الْعِبَادَة، فَأَي شَيْء معنى قَوْله: اعبدوا لكَي تعبدوا؟ قُلْنَا مَعْنَاهُ: اعبدوه وَكُونُوا على حذر مِنْهُ، وَهَذَا دأب العابد أَن يعبد الله وَيكون على حذر مِنْهُ. وَقيل مَعْنَاهُ: اعبدوه وَكُونُوا على رَجَاء التَّقْوَى؛ بِأَن تصيروا فِي ستر ووقاية من عَذَاب الله تَعَالَى، وَحكم الله من وَرَائِكُمْ يفعل بكم مَا يَشَاء؛ وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: ﴿فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى﴾ أَي: ادعواه إِلَى الْحق وكونا على رَجَاء التَّذَكُّر والخشية مِنْهُ. وَحكم الله وَرَاءه يفعل بِهِ مَا يَشَاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب