الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿ويسألونك عَن الرّوح﴾ الْآيَة. روى عَلْقَمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: " كنت مَعَ رَسُول الله فِي حرث، وَهُوَ متوكئ على عسيب فَجَاءَهُ قوم من الْيَهُود، وسألوه عَن الرّوح فَوقف رَسُول الله ينظر إِلَى السَّمَاء فَعرفت أَنه يُوحى إِلَيْهِ، وتنحيت عَنهُ، ثمَّ قَالَ: ﴿ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا﴾ وَهَذَا خبر صَحِيح ". وَعَن ابْن عَبَّاس بِرِوَايَة عَطاء " أَن قُريْشًا اجْتمعت وَقَالُوا: إِن مُحَمَّدًا نَشأ فِينَا بالأمانة والصدق، وَمَا أتهمناه بكذب، وَقد ادّعى مَا ادّعى، فَابْعَثُوا بِنَفر إِلَى الْيَهُود، واسألوهم عَنهُ، فبعثوا بِقوم إِلَى الْمَدِينَة؛ لِيَسْأَلُوا يهود الْمَدِينَة عَنهُ، فَذَهَبُوا وسألوهم، فَقَالُوا: سلوه عَن ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِن أجَاب عَن اثْنَيْنِ، وَلم يجب عَن الثَّالِث، فَهُوَ نَبِي، وَإِن أجَاب عَن الثَّلَاث، أَو لم يجب عَن شَيْء من الثَّلَاثَة فَلَيْسَ بِنَبِي، سلوه عَن ذِي القرنين، وَعَن فتية فقدوا فِي الزَّمن الأول، وَعَن الرّوح، - وَأَرَادُوا بِالَّذِي لَا يُجيب عَنهُ الرّوح - فَرَجَعُوا وسألوا النَّبِي عَن ذَلِك، وَقد اجْتمعت قُرَيْش فَقَالَ: سأجيبكم غَدا. وَلم يقل: إِن شَاءَ الله، فتلبث الْوَحْي أَرْبَعِينَ يَوْمًا لما أَرَادَ الله تَعَالَى، ثمَّ إِنَّه نزل بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله﴾ وَنزل الْوَحْي بِقصَّة (أَصْحَاب) الْكَهْف وقصة ذِي القرنين، وَنزل بِالروحِ قَوْله تَعَالَى: ﴿ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي﴾ . وَاخْتلفُوا فِي الرّوح على أقاويل: فَروِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَقد قَالَ فِي مَوضِع آخر ﴿نزل بِهِ الرّوح الْأمين﴾ . وَعنهُ أَنه قَالَ: خلق فِي السَّمَاء من ﴿الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي﴾ جنس بني آدم لَهُم أَيدي وأرجل لَيْسُوا من الْمَلَائِكَة. . وَذكره أَبُو صَالح أَيْضا، وَرُوِيَ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: الرّوح ملك ذُو سَبْعُونَ ألف وَجه، لكل وَجه سَبْعُونَ ألف لِسَان - وَفِي رِوَايَة سَبْعُونَ لِسَانا يسبح الله بألسنته كلهَا. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن الرّوح هَا هُنَا: هُوَ الْقُرْآن. وَقيل: إِنَّه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. وَمَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ كَمَا قَالَ الْيَهُود وَلَا كَمَا قَالَ النَّصَارَى، وَلكنه روح الله وكلمته تكون بأَمْره. وَأَصَح الْأَقَاوِيل: أَن الرّوح هَا هُنَا هُوَ الرّوح الَّذِي يحيا بِهِ الْإِنْسَان، وَعَلِيهِ أَكثر الْمُفَسّرين. وَاخْتلفُوا فِيهِ: مِنْهُم من قَالَ: هُوَ الدَّم؛ أَلا ترى أَن الْإِنْسَان إِذا مَاتَ لم يغب مِنْهُ إِلَّا الدَّم، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ تنفس الْإِنْسَان من الْهَوَاء؛ أَلا ترى أَن المخنوق يَمُوت لاحتباس النَّفس عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه عرض، وَقَالَ بَعضهم: جسم لطيف يشبه الرّيح، يجْرِي فِي تجاويف الْإِنْسَان. وَاسْتدلَّ من قَالَ إِنَّه جسم [إِن] الله تَعَالَى قَالَ: ﴿بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله﴾ وَإِنَّمَا يتَصَوَّر رزق الْأَجْسَام لَا رزق الْأَعْرَاض وتدل عَلَيْهِ أَن النَّبِي قَالَ: " أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر تعلف من ثَمَر الْجنَّة أَو تَأْكُل ". وَرُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِن الله تَعَالَى خلق الْأَرْوَاح قبل الأجساد بأَرْبعَة آلَاف سنة " وَهَذَا كُله دَلِيل على أَن الرّوح جسم وَلَيْسَ بِعرْض، وَهَذَا أولى الْقَوْلَيْنِ. وَذكر بعض أهل الْمعَانِي: أَن الرّوح معنى اجْتمع فِيهِ النُّور وَالطّيب وَالْعلم والعلو والبقاء، أَلا ترى أَنه إِذا كَانَ مَوْجُودا رَأَتْ الْعين وَسمعت الْأذن، فَإِذا ذهب الرّوح فَاتَ السّمع وَالْبَصَر، وَإِذا كَانَ مَوْجُودا فالإنسان طيب فَإِذا خرج أنتن وَإِذا كَانَ مَوْجُودا فيوجد فِي الْإِنْسَان الْعلم بالأشياء، فَإِذا فَاتَ صَار جَاهِلا، وَكَذَلِكَ تُوجد فِيهِ الْحَيَاة فَإِذا فَاتَ صَار الْإِنْسَان مَيتا، وَيُوجد فِيهِ الْعُلُوّ واللطافة فَاتَ تسفل وكنف. وَأولى الْأَقَاوِيل فِي الرّوح أَن يُوكل علمه إِلَى الله. وَيُقَال: هُوَ معنى يحيا بِهِ الْإِنْسَان لَا يُعلمهُ إِلَّا الله. وَذكر الْقُرْآن أَن الله تَعَالَى لم يخبر أحدا بِمَعْنى الرّوح، وَلَا يُعلمهُ غَيره. وَعَن عبد الله بن بُرَيْدَة أَنه قَالَ: إِن الله تَعَالَى لم يطلع على معنى الرّوح ملكا مقربا، وَلَا نَبيا مُرْسلا، وَخرج رَسُول الله من الدُّنْيَا، وَلم يعلم معنى الرّوح، وَالله أعلم. وَقَوله: ﴿قل الرّوح من أَمر رَبِّي﴾ مَعْنَاهُ: من علم رَبِّي، وَقد قَالَ بَعضهم: إِن رَسُول الله علم معنى الرّوح إِلَّا أَنه لم يُخْبِرهُمْ بِهِ؛ لِأَن ترك إخبارهم بِهِ كَانَ علما على نبوته. وَأَيْضًا لم يُخْبِرهُمْ بِهِ؛ لِئَلَّا يكون إخْبَاره ذَرِيعَة إِلَى سُؤَالهمْ عَمَّا لَا يعنيهم. وَقَوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا﴾ يَعْنِي: فِي جنب علم الله، وَيُقَال: إِن هَذَا خطاب للْيَهُود على معنى أَنه قَالَ للنَّبِي: قل للْيَهُود. وَقيل: إِنَّه خطاب للرسول. وَقد رُوِيَ أَن الْيَهُود قَالُوا: قد أوتينا التَّوْرَاة، وفيهَا الْعلم الْكثير؛ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي﴾ الْآيَة مَعْنَاهُ: أَن مَا أُوتِيتُمْ من الْعلم الَّذِي فِي التَّوْرَاة قَلِيل فِي جنب علم الله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب