الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال﴾ رُوِيَ أَن الْمُشْركين قَالُوا لرَسُول الله: سل رَبك أَن يسير هَذِه الْجبَال الَّتِي بِمَكَّة فتتسع أَرْضنَا ونتخذ فِيهَا الْمزَارِع، وسل رَبك أَن يقرب إِلَيْنَا الشَّام، فَإِن إِلَيْهِ متاجرنا وَقد أبعد عَنَّا، وَقَالُوا أَيْضا: سل رَبك أَن يخرج لنا الْأَنْهَار ويشق الْعُيُون فِي الأَرْض لنغرس الْأَشْجَار، ونتخذ الْبَسَاتِين، وسل رَبك أَن يبْعَث لنا جمَاعَة من الْمَوْتَى فنسألهم عَن أَمرك، وأحى لنا قصيا؛ فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا مُبَارَكًا حَتَّى نَسْأَلهُ عَن أَمرك. وَفِي بعض الرِّوَايَات أَنهم قَالُوا: سل رَبك بِالْقُرْآنِ الَّذِي أنزل عَلَيْك أَن يفعل هَذَا فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: ﴿وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال﴾ مَعْنَاهُ: وَلَو قضيت أَن أَسِير الْجبَال بِكِتَاب أَو أقطع الأَرْض بِهِ أَو أحيي بِهِ الْمَوْتَى لفَعَلت بِهَذَا الْقُرْآن. فَإِن قيل: هَذَا الْجَواب الَّذِي تَقولُونَ غير مَذْكُور فِي الْقُرْآن، وَهَذَا زِيَادَة؟ الْجَواب عَنهُ، أَن الْجَواب مَحْذُوف، وَالْعرب تفعل مثل هَذَا، قَالَ الشَّاعِر: (فَلَو أَنَّهَا نفس تَمُوت سوية ... وَلكنهَا نفس تساقط أنفسا) وَمَعْنَاهُ: وَلَو أَنَّهَا نفس وَاحِدَة لتسليت بهَا، وَلكنهَا أنفس كَثِيرَة. وَذكر الْفراء أَن الْجَواب هُوَ: ﴿وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى﴾ لم يُؤمنُوا؛ لما سبق فِي علمنَا من تَركهم الْإِيمَان. مَعْنَاهُ: أَنا لَو فعلنَا بِالْقُرْآنِ الَّذِي أنزل إِلَيْك مَا سَأَلُوا، لم يُؤمنُوا أَيْضا. وَقَوله: ﴿بل لله الْأَمر جَمِيعًا﴾ مَعْنَاهُ: بل لله الْأَمر جَمِيعًا فِي هَذِه الْأَشْيَاء؛ إِن شَاءَ فعلهَا وَإِن شَاءَ لم يَفْعَلهَا. وَقَوله: ﴿أفلم ييئس الَّذين آمنُوا﴾ أَكثر أهل الْمعَانِي على أَن مَعْنَاهُ: أفلم يعلم الَّذين آمنُوا، وَفِي قِرَاءَة ابْن عَبَّاس هَكَذَا: " أفلم يتَبَيَّن للَّذين آمنُوا " وَقد ورد هَذَا اللَّفْظ بِمَعْنى الْعلم فِي لُغَة الْعَرَب، قَالَ الشَّاعِر: (أَقُول لَهُم بِالشعبِ إِذْ يأسرونني ... ألم تيئسوا أَنِّي ابْن فَارس زَهْدَم) وَقَالَ آخر: (ألم ييئس الْأَبْطَال أَنِّي أَنا ابْنه ... وَإِن كنت عَن أَرض الْعَشِيرَة تائيا) وَأنكر الْكسَائي أَن يكون هَذَا بِمَعْنى الْعلم، وَقَالَ: إِن الْعَرَب لَا تعرف الْيَأْس بِمَعْنى الْعلم، قَالَ: وَإِنَّمَا معنى الْآيَة: أَن أَصْحَاب رَسُول الله لما سمعُوا هَذَا من الْمُشْركين طمعوا فِي أَن يفعل الله مَا سَأَلُوا ويؤمنوا؛ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة: ﴿أفلم ييئس الَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي: من الصَّحَابَة من إِيمَان هَؤُلَاءِ الْقَوْم، وكل من علم شَيْئا فقد يئس عَن خِلَافه وضده، وَبَعْضهمْ قَالَ مَعْنَاهُ: أفلم يعلم الَّذين آمنُوا من حَال هَؤُلَاءِ الْكفَّار علما يُوجب يأسهم عَن إِيمَانهم، وَقَوله: ﴿أَن لَو يَشَاء الله لهدى النَّاس جَمِيعًا﴾ ظَاهر الْمَعْنى. وَقَوله: ﴿وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة﴾ أَي نازلة وبلية، وَقيل: إِن القارعة هَاهُنَا: سَرَايَا رَسُول الله ﴿أَو تحل قَرِيبا من دَارهم﴾ يَعْنِي: أَو تحل السّريَّة قَرِيبا من دَارهم، وَقيل: أَو تنزل أَنْت قَرِيبا من دَارهم. ﴿حَتَّى يَأْتِي وعد الله﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه يَوْم الْقِيَامَة، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه يَوْم بدر. وَقَوله: ﴿إِن الله لَا يخلف الميعاد﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب