الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاء إخْوَة يُوسُف فَدَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ قَالَ أَصْحَاب الْأَخْبَار: لما نصب الْملك يُوسُف - عَلَيْهِ السَّلَام - للْقِيَام بِالْأَمر، وتدبير مَال مصر دبر فِي جمع الطَّعَام أحسن التَّدْبِير بنى الْحُصُون والبيوت الْكَبِيرَة، وَجمع فِيهَا طَعَاما للسنين المجدبة، وَأنْفق مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى مَضَت السنون المخصبة وَدخلت سنُون الْقَحْط، فَروِيَ أَنه كَانَ دبر فِي [طَعَام] الْملك وحاشيته مرّة وَاحِدَة وَهُوَ نصف النَّهَار، فَكلما دخلت سنة الْقَحْط كَانَ أول من أَخذ الْجُوع هُوَ الْملك فَنَادَى بِنصْف اللَّيْل: يَا يُوسُف، الْجُوع، الْجُوع. وَفِي بعض الْأَخْبَار أَنه كَانَ يقدر لكل اثْنَيْنِ طَعَام اثْنَيْنِ وَكَانَ يقدم جَمِيعه بَين يَدي الْوَاحِد فَلَا يَأْكُل إِلَّا نصفه، فَلَمَّا دخلت سنة الْقَحْط (قدم طَعَام اثْنَيْنِ بَين يَدي وَاحِد فَقدم فَأكل جَمِيعه وَطلب زِيَادَة فَعرف يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَنه دخلت سنة الْقَحْط) ، وَالله أعلم. قَالُوا: وَدخلت السّنة الأولى بهول وَشدَّة لم يعْهَد النَّاس مثله، وَكَانَ كلما جَاءَت سنة أُخْرَى كَانَت أهول وَأَشد، فَلَمَّا كَانَت السّنة الثَّانِيَة وصل الْقَحْط إِلَى كنعان - وَهُوَ منزل يَعْقُوب وَأَوْلَاده - فاحتاجوا إِلَى الطَّعَام حَاجَة شَدِيدَة فَدَعَا بنيه وَقَالَ لَهُم: بَلغنِي أَن بِمصْر ملكا صَالحا يَبِيع الطَّعَام فتجهزوا واذهبوا إِلَيْهِ لتشتروا مِنْهُ الطَّعَام، قَالَ: فأرسلهم وهم عشرَة نفر وَحبس [ابْنه بنيامين] عِنْده فقدموا مصر، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَجَاء إخْوَة يُوسُف﴾ . وَقَوله: ﴿فعرفهم﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد: عرفهم بِأول مَا نظر إِلَيْهِم، وَقَالَ الْحسن: لم يعرفهُمْ حَتَّى تعرفوا إِلَيْهِ. وَمعنى الْآيَة: فعرفهم بالتعريف؛ والمعرفة: تبين الشَّيْء بِمَا لَو شوهد لميز بَينه وَبَين غَيره. وَقَوله: ﴿وهم لَهُ منكرون﴾ يَعْنِي: أَنهم لم يعرفوه؛ وَالْإِنْكَار إبِْطَال الْمعرفَة بالْقَوْل، فَإِن قَالَ قَائِل، كَيفَ عرفهم وَلم [يعرفوه] وهم إخْوَة؟ ! وَالْجَوَاب من وُجُوه: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: كَانَ عَلَيْهِ تَاج الْملك وَكَانَ قَاعِدا على سَرِير الْملك فَلم يعرفوه. وَذكر الْكَلْبِيّ أَنه كَانَ على زِيّ مُلُوك مصر والأعاجم. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه كَلمهمْ من وَرَاء ستر فَلم يعرفوه لهَذَا وعرفهم؛ لِأَنَّهُ أبصرهم وَلم يعرفوه؛ لأَنهم لم يبصروه، وَهَذَا أَضْعَف الْأَقْوَال. وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنهم كَانُوا تَرَكُوهُ صَغِيرا، وَكَانَ بَين أَن باعوه وَبَين أَن دخلُوا عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سنة فَلم يعرفوه لهَذَا. وَهَذَا قَول حسن. وَأما هُوَ فَكَانَ تَركهم رجَالًا. وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن يُوسُف كَانَ يتَوَقَّع قدومهم عَلَيْهِ فَلَمَّا [جَاءُوا] عرفهم، وَأما الْإِخْوَة مَا ظنُّوا أَنه يصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ [فأنكروه] لهَذَا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب