الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ: بَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ يَسِيرُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَرَكْبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يسيرون بين يديه فقالوا: انْظُرُوا، هَذَا يَفْتَحُ قُصُورَ الشَّامِ وَيَأْخُذُ حُصُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ! فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَمَا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ، فَقَالَ: (احْبِسُوا عَلَيَّ الرَّكْبَ- ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ- قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا) فَحَلَفُوا: مَا كُنَّا إِلَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، يُرِيدُونَ كُنَّا غَيْرَ مُجِدِّينَ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ قَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَدِيعَةَ بْنَ ثَابِتٍ مُتَعَلِّقًا بِحَقَبِ ناقة رسول الله ﷺ يُمَاشِيهَا وَالْحِجَارَةُ تُنَكِّبُهُ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَالنَّبِيُّ ﷺ يقول: "أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ". وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ هَذَا الْمُتَعَلِّقَ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ. وَكَذَا ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَلِكَ خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ تَبُوكَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ إِنَّمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا لِوَدِيعَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَكَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَكَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَالْخَوْضُ: الدُّخُولُ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ دُخُولٍ فِيهِ تَلْوِيثٌ وَأَذًى. الثَّانِيَةُ- قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ، فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ. فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْعِلْمِ وَالْحَقِّ، وَالْهَزْلُ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: انْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ﴾[[راجع ج ١ ص ٤٤٤]] [البقرة: ٦٧]. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْهَزْلِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: لَا يَلْزَمُ مُطْلَقًا. يَلْزَمُ مُطْلَقًا. التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. فَيَلْزَمُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الطَّلَاقِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ. قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَلْزَمُ نِكَاحُ الْهَازِلِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يَلْزَمُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ: يُفْسَخُ قَبْلُ وَبَعْدُ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ قَوْلَانِ. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا الْقَوْلَانِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ جِدَّ الطَّلَاقِ وَهَزْلَهُ سَوَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنِ اتَّفَقَا عَلَى الْهَزْلِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنِ اخْتَلَفَا غَلَبَ الْجِدُّ الْهَزْلَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ثلاث جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ (. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَغَيْرِهِمْ. قُلْتُ: كَذَا فِي الْحَدِيثِ (وَالرَّجْعَةُ) وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ ابن الْمُسَيَّبِ قَالَ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِمْ لَعِبٌ النِّكَاحُ والطلاق والعتق. وكذا روي عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، كُلُّهُمْ قَالَ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ [وَلَا رُجُوعَ فِيهِنَّ] [[من ج وك وهـ.]] وَاللَّاعِبُ فِيهِنَّ جَادٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالنُّذُورُ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالنُّذُورُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب