الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ﴾ خَبَرٌ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ أَنَّ مَا بَعْدَهُ "إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ" لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا عِنَادًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ وَاللَّهِ وَدِدْتُ لَوْ أَنِّي قُدِّمْتُ فَجُلِدْتُ مائة ولا ينزل فينا شي يَفْضَحُنَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. "يَحْذَرُ" أَيْ يَتَحَرَّزُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لِيَحْذَرْ، فَهُوَ أَمْرٌ، كَمَا يُقَالُ: يفعل ذلك. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ "أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ مِنْ أَنْ تُنَزَّلَ. وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى حَذْفِ مِنْ. وَيَجُوزُ أَنْ تكون في موضع نصب مفعولة ليحذر، لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ أَجَازَ: حَذِرْتُ زَيْدًا، وَأَنْشَدَ: حَذِرٌ أُمُورًا لَا تَضِيرُ وَآمِنٌ ... مَا لَيْسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الْأَقْدَارِ وَلَمْ يُجِزْهُ الْمُبَرِّدُ، لِأَنَّ الْحَذَرَ شي فِي الْهَيْئَةِ. وَمَعْنَى "عَلَيْهِمْ" أَيْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (سُورَةٌ) فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ تُخْبِرُهُمْ بِمَخَازِيهِمْ وَمَسَاوِيهِمْ وَمَثَالِبِهِمْ، وَلِهَذَا سُمِّيَتِ الْفَاضِحَةُ وَالْمُثِيرَةُ وَالْمُبَعْثِرَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ السُّورَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمُّونَ هَذِهِ السُّورَةَ الْحَفَّارَةَ لِأَنَّهَا حَفَرَتْ مَا فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ فَأَظْهَرَتْهُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلِ اسْتَهْزِؤُا﴾ هَذَا أَمْرُ وَعِيدٍ وَتَهْدِيدٍ. (إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ) أَيْ مُظْهِرٌ "مَا تَحْذَرُونَ" ظُهُورَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ أَسْمَاءَ الْمُنَافِقِينَ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا، ثُمَّ نَسَخَ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ رأفة منه ورحمة، لان أولاد هم كَانُوا مُسْلِمِينَ وَالنَّاسُ يُعَيِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَعَلَى هَذَا قَدْ أَنْجَزَ اللَّهُ وَعْدَهُ بِإِظْهَارِهِ ذَلِكَ إِذْ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ". وَقِيلَ: إِخْرَاجُ اللَّهِ أَنَّهُ عَرَّفَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السلام أحوالهم وأسماء هم لَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَلَقَدْ قَالَ الله تعالى: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾[[راجع ج ١٦ ص ٢٥١ فما بعد.]] [محمد: ٣٠] وَهُوَ نَوْعُ إِلْهَامٍ. وَكَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَتَرَدَّدُ وَلَا يَقْطَعُ بِتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا بِصِدْقِهِ. وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْرِفُ صِدْقَهُ ومعاند.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب