الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي﴾ مِنْ أَذِنَ يَأْذَنُ. وَإِذَا أَمَرْتَ زِدْتَ هَمْزَةً مَكْسُورَةً وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ، وَلَا يَجْتَمِعُ هَمْزَتَانِ فَأُبْدِلَتْ مِنَ الثانية ياء لكسرة ما قبلها فقلت ائذن. فَإِذَا وَصَلْتَ زَالَتِ الْعِلَّةُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ، ثُمَّ هَمَزْتَ فَقُلْتَ: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي" وَرَوَى وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اوْذَنْ لِي" خَفَّفَ الْهَمْزَةَ [[أي أبدلها واوا لضمه اللام قبلها فينطق باللام كأنها متصلة بواو الجماعة.]]. قَالَ النحاس: يقال ائذن لفلان ثم ائذن لَهُ هِجَاءُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَاحِدٌ بِأَلِفٍ وَيَاءٍ قبل الذال في الخط. فإن قلت: ائذن لِفُلَانٍ وَأْذَنْ لِغَيْرِهِ كَانَ الثَّانِي بِغَيْرِ يَاءٍ وَكَذَا الْفَاءُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ثُمَّ وَالْوَاوُ أَنَّ ثُمَّ يُوقَفُ عَلَيْهَا وَتَنْفَصِلُ وَالْوَاوُ وَالْفَاءُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَنْفَصِلَانِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ أَخِي بَنِي سَلِمَةَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى تَبُوكَ: (يَا جَدُّ، هَلْ لَكَ فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ تَتَّخِذُ مِنْهُمْ سَرَارِيَّ وَوُصَفَاءَ) فَقَالَ الْجَدُّ: قَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنِّي مُغَرَمٌ بِالنِّسَاءِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ بَنِي الْأَصْفَرِ أَلَّا أَصْبِرَ عَنْهُنَّ فَلَا تَفْتِنِّي وَأْذَنْ لِي فِي الْقُعُودِ وَأُعِينُكَ بِمَالِيَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: (قَدْ أَذِنْتُ لَكَ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَيْ لَا تَفْتِنِّي بِصَبَاحَةِ وُجُوهِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ عِلَّةٌ إِلَّا النِّفَاقَ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَالْأَصْفَرُ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ كَانَتْ لَهُ بَنَاتٌ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِنَّ أَجْمَلُ مِنْهُنَّ وَكَانَ بِبِلَادِ الرُّومِ. وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَبَشَةَ غَلَبَتْ عَلَى الرُّومِ، وَوَلَدَتْ لَهُمْ بَنَاتٍ فَأَخَذْنَ مِنْ بَيَاضِ الرُّومِ وَسَوَادِ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّ صُفْرًا لُعْسًا [[اللعس: سواد اللثة والشفة. وقيل: اللعس واللعسة: سواد يعلو شفة المرأة البيضاء وقيل: هو سواد في حمرة.]]. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فِي قَوْلِ ابْنِ ابن إِسْحَاقَ فُتُورٌ. وَأَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (اغْزُوا تَغْنَمُوا بنات الأصفر) فقال له الجد: ائذن لَنَا وَلَا تَفْتِنَّا بِالنِّسَاءِ. وَهَذَا مَنْزَعٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالنِّفَاقِ وَالْمُحَادَّةِ. وَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِبَنِي سَلِمَةَ- وَكَانَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ مِنْهُمْ: (مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ)؟ قَالُوا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَخِيلٌ جَبَانٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى [[أي أي عيب أقبح منه. قال ابن الأثير: (والصواب أدوأ بالهمز وموضوعه أول الباب، ولكن هكذا يروى إلا أن يجعل من باب دوى يدوى دوا فهو دو إذا هلك بمرض باطن).]] مِنَ الْبُخْلِ بَلْ سَيِّدُكُمُ الْفَتَى الْأَبْيَضُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ). فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ فِيهِ: وَسُوِّدَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ لِجُودِهِ ... وَحُقَّ لِبِشْرِ بْنِ الْبَرَا أَنْ يُسَوَّدَا إِذَا مَا أَتَاهُ الْوَفْدُ أَذْهَبَ مَالَهُ ... وَقَالَ خُذُوهُ إِنَّنِي عَائِدٌ غَدَا (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أَيْ فِي الْإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَقَعُوا. وَهِيَ النِّفَاقُ وَالتَّخَلُّفُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) أَيْ مَسِيرُهُمْ إِلَى النَّارِ، فَهِيَ تُحْدِقُ بِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ شَرْطٌ وَمُجَازَاةٌ، وَكَذَا "وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا" عَطْفٌ عَلَيْهِ. وَالْحَسَنَةُ: الْغَنِيمَةُ وَالظَّفَرُ. وَالْمُصِيبَةُ الِانْهِزَامُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: (أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) أَيِ احْتَطْنَا لِأَنْفُسِنَا، وَأَخَذْنَا بِالْحَزْمِ فَلَمْ نَخْرُجْ إِلَى الْقِتَالِ. (وَيَتَوَلَّوْا) أَيْ عَنِ الْإِيمَانِ. (وَهُمْ فَرِحُونَ) أي معجبون بذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب