الباحث القرآني

لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَظْهَرَ اللَّهُ نِفَاقَ قَوْمٍ. وَالْعَرَضُ: مَا يُعْرَضُ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا. وَالْمَعْنَى: غَنِيمَةٌ قَرِيبَةٌ. أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ دُعُوا إِلَى غَنِيمَةٍ لَاتَّبَعُوهُ. "عَرَضاً" خَبَرُ كَانَ. "قَرِيباً" نَعْتُهُ. "وَسَفَراً قاصِداً" عَطْفٌ عَلَيْهِ. وَحُذِفَ اسْمُ كَانَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. التَّقْدِيرُ: لَوْ كَانَ الْمَدْعُوَّ إِلَيْهِ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا- أَيْ سَهْلًا مَعْلُومَ الطُّرُقِ- لَاتَّبَعُوكَ. وَهَذِهِ الْكِنَايَةُ لِلْمُنَافِقِينَ كَمَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي جُمْلَةِ مَنْ خُوطِبَ بِالنَّفِيرِ. وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَذْكُرُونَ الْجُمْلَةَ ثُمَّ يَأْتُونَ بِالْإِضْمَارِ عَائِدًا عَلَى بَعْضِهَا، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها﴾[[راجع ج ١١ ص ١٣١ فما بعد.]] [مريم: ٧١] أَنَّهَا الْقِيَامَةُ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا﴾[[راجع ج ١١ ص ١٣١ فما بعد.]] [مريم: ٧٢] يعني عز وجل جَهَنَّمَ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ السُّنَّةِ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أنه يجد عظما سمينا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ [[مرماتين (بكسر الميم) وقد تفتح. تثنية مرماة، وهي ظلف الشاة، أو ما بين ظلفها من اللحم.]] حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ (. يَقُولُ: لَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ شَيْئًا حَاضِرًا مُعَجَّلًا يَأْخُذُهُ لَأَتَى الْمَسْجِدَ مِنْ أَجْلِهِ.) وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) حَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشُّقَّةَ السَّفَرُ إِلَى أَرْضٍ بَعِيدَةٍ. يُقَالُ: مِنْهُ شُقَّةٌ شَاقَّةٌ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ كُلِّهِ غَزْوَةُ تَبُوكَ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ: شُقَّةٌ وَشِقَّةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشُّقَّةُ بِالضَّمِّ مِنَ الثِّيَابِ، وَالشُّقَّةِ أَيْضًا السَّفَرُ الْبَعِيدُ وَرُبَّمَا قَالُوهُ بِالْكَسْرِ. وَالشِّقَّةُ شَظِيَّةٌ تُشْظَى مِنْ لَوْحٍ أَوْ خَشَبَةٍ. يُقَالُ لِلْغَضْبَانِ: احْتَدَّ فَطَارَتْ مِنْهُ شِقَّةٌ، بِالْكَسرِ. (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا) أَيْ لَوْ كَانَ لَنَا سَعَةٌ فِي الظَّهْرِ وَالْمَالِ. (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) نَظِيرُهُ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] فَسَّرَهَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (زَادٌ وَرَاحِلَةٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ٤ ص ١٥٣.]]. (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) أَيْ بِالْكَذِبِ وَالنِّفَاقِ. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فِي الاعتلال.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب