الباحث القرآني

قَوْلِهِ تَعَالَى: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) الْأَحْبَارُ جَمْعُ حَبْرٍ، وَهُوَ الَّذِي يُحَسِّنُ الْقَوْلَ وَيُنَظِّمُهُ وَيُتْقِنُهُ بِحُسْنِ الْبَيَانِ عَنْهُ. وَمِنْهُ ثَوْبٌ مُحَبَّرٌ أَيْ جَمَعَ الزِّينَةَ. وَقَدْ قِيلَ فِي واحد الأحبار: حبر بكسر الحاء، والمفسرون على فتحها. واهل اللغة على كسرها. قال يونس: لم أسمعه إلا بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: [مِدَادُ] [[من ج وك وهـ وى.]] حِبْرٍ يُرِيدُونَ مِدَادَ عَالِمٍ، ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى قَالُوا لِلْمِدَادِ حِبْرٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الكسر وَالْفَتْحُ لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْحِبْرُ بِالْكَسْرِ الْمِدَادُ، وَالْحَبْرُ بِالْفَتْحِ الْعَالِمُ. وَالرُّهْبَانُ جَمْعُ رَاهِبٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّهْبَةِ، وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُ خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ يُخْلِصَ لَهُ النِّيَّةَ دُونَ النَّاسِ، وَيَجْعَلُ زَمَانَهُ لَهُ وَعَمَلَهُ مَعَهُ وَأُنْسَهُ بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: جَعَلُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ كالأرباب حيث أطاعوهم في كل شي، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً﴾[[راجع ج ١١ ص ٥٥ فما بعد.]] [الكهف: ٩٦] أَيْ كَالنَّارِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا رَوَى الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبَى الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ" هَلْ عبد وهم؟ فَقَالَ لَا، وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاسْتَحَلُّوهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ فَحَرَّمُوهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ) وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ "بَرَاءَةٌ" "اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ" ثُمَّ قَالَ: (أَمَا إنهم لم يكونوا يعبد ونهم وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ). قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ. وَغُطَيْفُ بْنُ أَعْيَنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ مَضَى الْكَلَامُ فِي اشْتِقَاقِهِ فِي [آلِ عِمْرَانَ [[راجع ج ٤ ص ٨٨.]]]. وَالْمَسِيحُ: الْعَرَقُ يَسِيلُ مِنَ الْجَبِينِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ: افْرَحْ فَسَوْفَ تَأْلَفُ الْأَحْزَانَا ... إِذَا شَهِدْتَ الْحَشْرَ وَالْمِيزَانَا وَسَالَ مِنْ جَبِينِكَ الْمَسِيحُ ... كَأَنَّهُ جَدَاوِلٌ تَسِيحُ وَمَضَى فِي [النِّسَاءِ] [[راجع ج ٦ ص ٢١.]] مَعْنَى إِضَافَتِهِ إِلَى مَرْيَمَ أُمِّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب