الباحث القرآني
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الاولى- لما ذكر عز وجل أَصْنَافَ الْأَعْرَابِ ذَكَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَبَيَّنَ أَنَّ مِنْهُمُ السَّابِقِينَ إِلَى الْهِجْرَةِ وَأَنَّ مِنْهُمُ التَّابِعِينَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عَدَدِ طَبَقَاتِهِمْ وَأَصْنَافِهِمْ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ طَرَفًا نُبَيِّنُ الْغَرَضَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَرَوَى عمر ابن الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ "وَالْأَنْصارِ" رَفْعًا عَطْفًا عَلَى السابقين. قال الأخفش: الخفض فِي الْأَنْصَارِ الْوَجْهُ، لِأَنَّ السَّابِقِينَ مِنْهُمَا. وَالْأَنْصَارُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ. قِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ النَّاسِ لَكُمْ: الْأَنْصَارُ، اسْمٌ سَمَّاكُمُ اللَّهُ بِهِ أَمْ كُنْتُمْ تُدْعَوْنَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: بَلِ اسْمٌ سَمَّانَا اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِذْكَارِ. الثَّانِيَةُ- نَصُّ الْقُرْآنِ عَلَى تَفْضِيلِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَطَائِفَةٍ. وَفِي قَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ هُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَهِيَ بَيْعَةُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَالَهُ الشَّعْبِيُّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: هُمْ أَهْلُ بَدْرٍ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ هَاجَرَ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَهُوَ مِنَ [الْمُهَاجِرِينَ [[من ج.]]] الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَهُمْ. أَمَّا أَفْضَلُهُمْ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ- فَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ التَّمِيمِيُّ: أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ السِّتَّةُ الْبَاقُونَ إِلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ الْبَدْرِيُّونَ ثُمَّ أَصْحَابُ أُحُدٍ ثُمَّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ. الرَّابِعَةُ- وَأَمَّا أَوَّلُهُمْ إِسْلَامًا فَرَوَى مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَنْ أول الناس إسلاما؟ قال أبو بكر، أو ما سَمِعْتَ قَوْلَ حَسَّانَ:
إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ... فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا
خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا ... بَعْدَ النَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلَا
الثَّانِيَ التَّالِيَ الْمَحْمُودَ مَشْهَدُهُ ... وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلَا
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَاجِشُونَ [أَنَّهُ [[من ب وج وك وى.]]] قَالَ: أَدْرَكْتُ أَبِي وَشَيْخَنَا [[في ب وج وى: مشيختنا.]] مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَصَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ وَسَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيَّ وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ أَنَّ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَسَّانٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أسلم علي، روي ذلك عن زيد ابن أرقم وأبي ذر والمقداد وغير هم. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِ التَّوَارِيخِ أَنَّ عَلِيًّا أَوَّلُهُمْ إِسْلَامًا. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حارثة. وذكر معمر نحو ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَجَمَاعَةٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَادَّعَى الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ، وَأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا. وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهْوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، فَكَانَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ، وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَمِنَ الْعَبِيدِ بِلَالٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: كَانَ إِسْلَامُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ رَابِعًا أَوْ خَامِسًا. قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ قَالَ: أَسْلَمَ الزُّبَيْرُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ. وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ. وَقِيلَ: ابْنُ عَشْرٍ. الْخَامِسَةُ- وَالْمَعْرُوفُ عَنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ ﷺ أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ [[في ب وج وك وى: الصحابة.]]. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ الصَّحَابِيَّ إِلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ. وَهَذَا الْقَوْلُ إِنْ صَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يُوجِبُ أَلَّا يُعَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ أَوْ مَنْ شَارَكَهُ فِي فَقْدِ ظَاهِرِ مَا اشْتَرَطَهُ فِيهِمْ مِمَّنْ لَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي عَدِّهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. السَّادِسَةُ- لَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ السَّابِقِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: السَّبْقُ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الصِّفَةُ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَالزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ. وَأَفْضَلُ هَذِهِ الْوُجُوهِ سَبْقُ الصِّفَاتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قوله ﷺ في الصحيح: (نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ من بعد هم فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ فَالْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ (. فَأَخْبَرَ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ مَنْ سَبَقْنَا مِنَ الْأُمَمِ بِالزَّمَانِ سَبَقْنَاهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالِامْتِثَالِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِهِ والرضا بِتَكْلِيفِهِ وَالِاحْتِمَالِ لِوَظَائِفِهِ، لَا نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ وَلَا نَخْتَارُ مَعَهُ، وَلَا نُبَدِّلُ بِالرَّأْيِ شَرِيعَتَهُ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ لِمَا قَضَاهُ، وَبِتَيْسِيرِهِ لِمَا يَرْضَاهُ، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ. السَّابِعَةُ- قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَفْضِيلَ السَّابِقِينَ إِلَى كُلِّ مَنْقَبَةٍ مِنْ مَنَاقِبِ الشَّرِيعَةِ، فِي عِلْمٍ أَوْ دِينٍ أَوْ شَجَاعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنَ الْعَطَاءِ فِي الْمَالِ وَالرُّتْبَةِ فِي الْإِكْرَامِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَاخْتَلَفَ [[في ع: بعض العلماء.]] الْعُلَمَاءُ فِي تَفْضِيلِ السَّابِقِينَ بِالْعَطَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُفَضِّلُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْعَطَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ السَّابِقَةِ. وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَهُ: أَتَجْعَلُ ذَا السَّابِقَةِ كَمَنْ لَا سَابِقَةَ لَهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ واجر هم عَلَيْهِ. وَكَانَ عُمَرُ يُفَضِّلُ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى غَدٍ لَأُلْحِقَنَّ أَسْفَلَ النَّاسِ بِأَعْلَاهُمْ، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ. وَالْخِلَافَةُ [[كذا في ى. وفي ب وج وك وا وهـ: والخلاف. ولا يبدو له معنى.]] إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ﴾ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَرَأَ عُمَرُ "وَالْأَنْصَارُ" رَفْعًا. "الَّذِينَ" بِإِسْقَاطِ الواو نعتا للأنصار، فراجعه زيد ابن ثَابِتٍ، فَسَأَلَ عُمَرُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَصَدَّقَ زَيْدًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَقَالَ: مَا كُنَّا نَرَى إِلَّا أَنَّا رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَنَالُهَا مَعَنَا أَحَدٌ. فَقَالَ أُبَيٌّ: [إِنِّي أَجِدُ [[[من ع.]] مِصْدَاقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الجمعة: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾[[راجع ج ١٨ ص ٩٢ وص ٣١.]] [الجمعة: ٣] وفي سورة الحشر: ﴿وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ﴾[[راجع ج ١٨ ص ٩٢ وص ٣١.]] [الحشر: ١٠]. وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ﴾[[راجع ج ٨ ص ٥٦.]] [الأنفال: ٧٤]. فَثَبَتَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْوَاوِ. وَبَيَّنَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: "بِإِحْسانٍ" مَا يَتَّبِعُونَ فِيهِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، لَا فِيمَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنَ الْهَفَوَاتِ وَالزَّلَّاتِ، إِذْ لَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّابِعِينَ وَمَرَاتِبِهِمْ، فَقَالَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ: التَّابِعِيُّ مَنْ صَحِبَ الصَّحَابِيَّ، وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ: تَابِعٌ وَتَابِعِيٌّ. وَكَلَامُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ الله وغيره مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ الصَّحَابِيِّ أَوْ يَلْقَاهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الصُّحْبَةُ الْعُرْفِيَّةُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اسْمَ التَّابِعِينَ يَنْطَلِقُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَنْ دَانَاهُمْ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ شَكَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ خَالِدَ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِخَالِدٍ: (دَعُوا لِي أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مد أحد هم وَلَا نَصِيفَهُ). وَمِنَ الْعَجَبِ عَدَّ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانَ وَسُوَيْدًا ابْنَيْ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ في التابعين عند ما ذَكَرَ الْإِخْوَةَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُمَا صَحَابِيَّانِ مَعْرُوفَانِ مَذْكُورَانِ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَدْ شَهِدَا الْخَنْدَقَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَكْبَرُ التَّابِعِينَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعبد الله ابن عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ. وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْضُ الْأَجِلَّةِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ:
فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ [[هو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ.]] عُرْوَةُ قَاسِمٌ ... سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ [[هو أبو بكر بن عبد الرحمن. كما في ج.]] سُلَيْمَانُ خَارِجَهْ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَفْضَلُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، فَقِيلَ لَهُ: فَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ. فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: أَفْضَلُ التَّابِعِينَ قَيْسٌ وَأَبُو عُثْمَانَ وَعَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ، هَؤُلَاءِ كَانُوا فَاضِلِينَ وَمِنْ عِلْيَةِ التَّابِعِينَ. وَقَالَ أَيْضًا: كَانَ عَطَاءٌ مُفْتِي مَكَّةَ وَالْحَسَنُ مُفْتِيَ الْبَصْرَةِ فَهَذَانِ أكثر النَّاسُ عَنْهُمْ، وَأَبْهَمَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: سَيِّدَتَا التَّابِعِينَ مِنَ النِّسَاءِ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرحمن، وثالثهما- وَلَيْسَتْ كَهُمَا- أُمُّ الدَّرْدَاءِ [[أم الدرداء الصغرى الدمشقية.]]. وَرُوِيَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: طَبَقَةٌ تُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ وَلَيْسَ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيَّ الْفَقِيهَ. وَبُكَيْرُ بْنُ أَبِي السَّمِيطِ [[في التقريب: (السميط بفتح المهملة، ويقال بالضم).]]، وَبُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجُّ. وَذَكَرَ غَيْرَهُمْ قَالَ: وَطَبَقَةُ عِدَادِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. وَقَدْ لَقُوا الصَّحَابَةَ مِنْهُمْ أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَنَسًا. وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، وَقَدْ أُدْخِلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَقَدْ أَدْرَكَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ. وَأُمَّ خَالِدِ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ. وَفِي التَّابِعِينَ طَبَقَةٌ تُسَمَّى بِالْمُخَضْرَمِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْجَاهِلِيَّةَ وَحَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَسْلَمُوا وَلَا صُحْبَةَ لَهُمْ. وَاحِدُهُمْ مُخَضْرَمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَأَنَّهُ خُضْرِمَ، أَيْ قُطِعَ عَنْ نُظَرَائِهِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الصُّحْبَةَ وَغَيْرَهَا. وَذَكَرَهُمْ مُسْلِمٌ فَبَلَغَ بِهِمْ عِشْرِينَ نَفْسًا، مِنْهُمْ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ الْكِنْدِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَعَبْدُ خَيْرِ بْنُ يَزِيدَ الْخَيْرَانِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ، بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ. وَأَبُو الْحَلَالِ الْعَتَكِيُّ رَبِيعَةُ [[في الميزان: ربيعة بن أبي الحلال.]] بْنُ زُرَارَةَ. وَمِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ، مِنْهُمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ. فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ نَطَقَ بِفَضْلِهِمُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَكَفَانَا نَحْنُ قَوْلُهُ عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾[[راجع ج ٤ ص ١٧٠.]] [آل عمران: ١١٠] عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾[[راجع ج ٢ ص ١٥٢.]] [البقرة: ١٤٣] الْآيَةُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَدِدْتُ أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ... ) [[رواية أحمد: (وددت أني لقيت إخواني .. ) ويروى: (رأيت .. ).]]. الْحَدِيثَ. فَجَعَلَنَا إِخْوَانَهُ، إِنِ اتَّقَيْنَا اللَّهَ وَاقْتَفَيْنَا آثَارَهُ حَشَرَنَا اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِ وَلَا حَادَ بِنَا عن طريقته وملته بحق [[في ع: بجاه.]] محمد وآله.
{"ayah":"وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَـٰنࣲ رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق