الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُمْ أَيْ لِأَهْلِ النَّارِ. طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَمَّا ذَكَرَ شَرَابَهُمْ ذَكَرَ طَعَامَهُمْ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ: نَبْتٌ ذُو شَوْكٍ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ، تُسَمِّيهِ قُرَيْشٌ الشِّبْرِقَ إِذَا كَانَ رَطْبًا، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الضَّرِيعُ، لَا تَقْرَبُهُ دَابَّةٌ وَلَا بَهِيمَةٌ وَلَا تَرْعَاهُ، وَهُوَ سَمٌّ قَاتِلٌ، وَهُوَ أَخْبَثُ الطَّعَامِ وَأَشْنَعُهُ، عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ. إِلَّا أَنَّ الضَّحَّاكَ رَوَى عن ابن عباس قال: هو شي يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ، يُسَمَّى الضَّرِيعَ، مِنْ أَقْوَاتِ الانعام لَا النَّاسِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِبِلُ لَمْ تَشْبَعْ، وَهَلَكَتْ هَزْلًا. وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ نَبْتٌ. قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ: [[لم نعثر على هذا البيت في ديوان أبي ذؤيب.]] رَعَى الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى إِذَا ذَوَى ... وَعَادَ ضَرِيعًا بَانَ مِنْهُ [[في بعض نسخ الأصل: (بان عنه النحائص). والنحائص: جمع النحوص (بفتح النون)، وهي الأتان الوحشية الحائل. وقيل: هي التي في بطنها ولد. وقيل: التي لا لبن لها.]] النَّحَائِصُ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ [[هو قيس بن عيزارة، كما في اللسان.]] وَذَكَرَ إِبِلًا وَسُوءَ مَرْعَاهَا: وَحُبِسْنَ فِي هَزْمِ الضَّرِيعِ فَكُلُّهَا ... حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ حَرُودُ [[هزم الضريع: ما تكسر منه. والحدباء: الناقة التي بدت حراقفها، وعظم ظهرها. والحرود: التي لا تكاد تدر.]] وَقَالَ الْخَلِيلُ: الضَّرِيعُ: نَبَاتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ، يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ شَجَرٌ مِنْ نَارٍ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا لَأَحْرَقَتِ الْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْحِجَارَةُ، وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَجَرٌ ذُو شَوْكٍ حَسَبَ مَا هُوَ فِي الدُّنْيَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (الضريع: شي يَكُونُ فِي النَّارِ، يُشْبِهُ الشَّوْكَ، أَشَدُّ مَرَارَةً مِنَ الصَّبْرِ، وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَأَحَرُّ مِنَ النَّارِ، سَمَّاهُ اللَّهُ ضَرِيعًا (. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ الْمُتَوَكِّلَ بْنَ حَمْدَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الضَّرِيعَ شَجَرَةٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، حَمْلُهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ، أَشَدُّ مَرَارَةً مِنَ الصَّبْرِ، فَذَلِكَ طَعَامُهُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ بَعْضُ مَا أَخْفَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ طَعَامٌ يَضْرَعُونَ عِنْدَهُ وَيَذِلُّونَ، وَيَتَضَرَّعُونَ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهُ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ آكِلَهُ يَضْرَعُ فِي أَنْ يُعْفَى مِنْهُ، لِكَرَاهَتِهِ وَخُشُونَتِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: قَدْ يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنَ الضَّارِعِ، وَهُوَ الذَّلِيلُ، أَيْ ذُو ضَرَاعَةٍ، أَيْ مَنْ شَرِبَهُ ذَلِيلٌ تَلْحَقُهُ ضَرَاعَةٌ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: هُوَ الزَّقُّومُ. وَقِيلَ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي موضع آخَرَ: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [[آية ٣٥ و٣٦ سورة الحاقة.]] [الحاقة: ٣٦ - ٣٥]. وَقَالَ هُنَا: إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وَهُوَ غَيْرُ الْغِسْلِينِ. وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ النَّارَ دَرَكَاتٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الزَّقُّومُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الْغِسْلِينُ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَعَامُهُ الضَّرِيعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابُهُ الْحَمِيمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَابُهُ الصَّدِيدُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الضَّرِيعُ فِي دَرَجَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ، وَالزَّقُّومُ فِي دَرَجَةٍ أُخْرَى. وَيَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَتَانِ عَلَى حَالَتَيْنِ كَمَا قَالَ: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [[آية ٥٥ سورة الرحمن.]] [الرحمن: ٤٤]. الْقُتَبِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّرِيعُ وَشَجَرَةُ الزَّقُّومِ نَبْتَيْنِ مِنَ النَّارِ، أَوْ مِنْ جَوْهَرٍ لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ. وَكَذَلِكَ سَلَاسِلُ النَّارِ وَأَغْلَالُهَا وَعَقَارِبُهَا وَحَيَّاتُهَا، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَا نَعْلَمُ مَا بَقِيَتْ عَلَى النَّارِ. قَالَ: وَإِنَّمَا دَلَّنَا اللَّهُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَهُ، بِالْحَاضِرِ عِنْدَنَا، فَالْأَسْمَاءُ مُتَّفِقَةُ الدَّلَالَةِ، وَالْمَعَانِي مُخْتَلِفَةٌ. وَكَذَلِكَ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ شَجَرِهَا وَفُرُشِهَا. الْقُشَيْرِيُّ: وَأَمْثَلُ مِنْ قَوْلِ الْقُتَبِيِّ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الَّذِي يُبْقِي الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ لِيَدُومَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، يُبْقِي النَّبَاتَ وَشَجَرَةَ الزَّقُّومِ فِي النَّارِ، لِيُعَذِّبَ بِهَا الْكُفَّارَ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الضَّرِيعَ بِعَيْنِهِ لَا يَنْبُتُ فِي النَّارِ، وَلَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ. فَالضَّرِيعُ مِنْ أَقْوَاتِ الْأَنْعَامِ، لَا مِنْ أَقْوَاتِ النَّاسِ. وَإِذَا وَقَعَتِ الْإِبِلُ فِيهِ لَمْ تَشْبَعْ، وَهَلَكَتْ هَزْلًا، فَأَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقْتَاتُونَ بِمَا لَا يُشْبِعُهُمْ، وَضَرَبَ الضَّرِيعَ لَهُ مَثَلًا، أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِالْجُوعِ كَمَا يُعَذَّبُ مَنْ قُوتُهُ الضَّرِيعُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: وَهَذَا نَظَرٌ سَقِيمٌ مِنْ أَهْلِهِ وَتَأْوِيلٌ دنئ، كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ فِي هَذَا التُّرَابِ هَذَا الضَّرِيعَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْبِتَهُ فِي حَرِيقِ النَّارِ، جَعَلَ لَنَا فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا، فَلَا النَّارُ تُحْرِقُ الشَّجَرَ، وَلَا رُطُوبَةُ الْمَاءِ فِي الشَّجَرِ تُطْفِئُ النَّارَ، فَقَالَ تَعَالَى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [[آية ٨٠ سورة يس.]] [يس: ٨٠]. وَكَمَا قِيلَ حِينَ نَزَلَتْ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ [[آية ٩٧ سورة الاسراء.]] [الاسراء: ٩٧]: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وجوههم؟ فقال: [الذي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ [. فَلَا يَتَحَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذَا إلا ضعيف القلب. أو ليس قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً [[آية ٥٦ سورة النساء.]] غَيْرَها [النساء: ٥٦]، وقال: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [[آية ٥٠ سورة ابراهيم.]] [إبراهيم: ٥٠]، وقال: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا [[آية ٢ سورة المزمل.]] [المزمل: ١٢] أَيْ قُيُودًا. وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ (١٣) قِيلَ: ذَا شَوْكٍ. فَإِنَّمَا يَتَلَوَّنُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بِهَذِهِ الأشياء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب