الباحث القرآني
سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً وَفِي التِّرْمِذِيُّ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ يوم القيامة] كأنه رأى عين [فَلْيَقْرَأْ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [غريب [[الزيادة من صحيح الترمذي.]]].
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكْوِيرُهَا: إِدْخَالُهَا فِي الْعَرْشِ. وَالْحَسَنُ: ذَهَابُ ضَوْئِهَا. وَقَالَهُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: عُوِّرَتْ. أَبُو عُبَيْدَةَ: كُوِّرَتْ مِثْلَ تَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ، تُلَفُّ فَتُمْحَى. وَقَالَ الرَّبِيعُ بن خيثم: كُوِّرَتْ رُمِيَ بِهَا، وَمِنْهُ: كَوَّرْتُهُ فَتَكَوَّرَ، أَيْ سَقَطَ. قُلْتُ: وَأَصْلُ التَّكْوِيرِ: الْجَمْعُ، مَأْخُوذٌ مِنْ كَارَ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ يَكُورُهَا أَيْ لَاثَهَا وَجَمَعَهَا فَهِيَ تُكَوَّرُ وَيُمْحَى ضَوْءُهَا، ثُمَّ يُرْمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ: كُوِّرَتْ: نُكِّسَتْ.
(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) أَيْ تَهَافَتَتْ وَتَنَاثَرَتْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: انْصَبَّتْ كَمَا تَنْصَبُّ الْعُقَابُ إِذَا انْكَسَرَتْ. قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ صَقْرًا [[هكذا البيت في نسخ الأصل التي بأيدينا والذي في ديوان العجاج رواية الأصمعي نسخة الشنقيطي: قال يمدح عمرو بن عبيد الله بن معمر: قد جبر الدين الاله فجبر. إلى أن قال:
دانى جناحيه من الطور فمر ... تقضى البازي إذا البازي كسر
أبصر خربان فضاء فانكدر ... اشكى الكلاليب إذا أهوى اطفر
الطور: الجبل وعنى هنا الشام يقول: انقض ابن معمر انقضاضة من الشام انقضاض البازي ضم جناحيه. وخربان: جمع خرب وهو ذكر الحبارى والكلاليب المخالب واطفر: أصله اظتفر فأبدلت التاء طاء فأدغمت في الظاء.]]:
أَبْصَرَ خِرْبَانَ فَضَاءَ فَانْكَدَرْ ... تَقَضِّي الْبَازِي إذا البازي كسر
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا يَبْقَى فِي السَّمَاءِ يَوْمَئِذٍ نَجْمٌ إِلَّا سَقَطَ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى يَفْزَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ مِمَّا لَقِيَتْ وَأَصَابَ الْعُلْيَا)، يَعْنِي الْأَرْضَ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَسَاقَطَتْ، وَذَلِكَ أَنَّهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِسَلَاسِلَ مِنْ نُورٍ، وَتِلْكَ السَّلَاسِلُ بِأَيْدِي مَلَائِكَةٍ مِنْ نُورٍ، فَإِذَا جَاءَتِ النَّفْخَةُ الْأُولَى مَاتَ من في الأرض ومن في السموات، فَتَنَاثَرَتْ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ وَتَسَاقَطَتِ السَّلَاسِلُ مِنْ أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ، لِأَنَّهُ مَاتَ مَنْ كَانَ يُمْسِكُهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْكِدَارُهَا طَمْسَ آثَارِهَا. وَسُمِّيَتِ النُّجُومُ نُجُومًا لِظُهُورِهَا فِي السَّمَاءِ بِضَوْئِهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: انْكَدَرَتْ تَغَيَّرَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا ضَوْءٌ لِزَوَالِهَا [[في ا، ح، و: لزلزالها.]] عَنْ أَمَاكِنِهَا. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ.
(وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) يَعْنِي قُلِعَتْ مِنَ الْأَرْضِ، وَسُيِّرَتْ فِي الْهَوَاءِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الكهف: ٤٧]. وَقِيلَ: سَيْرُهَا تَحَوُّلُهَا عَنْ مَنْزِلَةِ الْحِجَارَةِ، فَتَكُونُ كَثِيبًا مَهِيلًا أَيْ رَمْلًا سَائِلًا وَتَكُونُ كَالْعِهْنِ، وَتَكُونُ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَتَكُونُ سَرَابًا، مِثْلَ السَّرَابِ الَّذِي لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَادَتِ الْأَرْضُ قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أمتا. وَقَدْ تَقَدَّمَ [[راجع ج ١١ ص ٢٤٥.]] فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
(وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) أَيِ النُّوقُ الْحَوَامِلُ الَّتِي فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، الْوَاحِدَةُ عُشَرَاءُ أَوِ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي الْحَمْلِ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ لا يزال ذلك اسمها حتى تضع، وبعد ما تَضَعُ أَيْضًا. وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ يُسَمُّوا الشَّيْءَ بِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِفَرَسِهِ وَقَدْ قَرِحَ: هَاتُوا مهري وقربوا مهري، يسميه بِمُتَقَدِّمِ اسْمِهِ، قَالَ عَنْتَرَةُ:
لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وما أطمعته ... فَيَكُونُ جِلْدُكِ مِثْلَ جِلْدِ الْأَجْرَبِ
وَقَالَ أَيْضًا:
وَحَمَلْتُ مُهْرِيَ وَسْطَهَا فَمَضَاهَا [[صدره:
وضرمت قرني كبشها فتجدلا]]
وَإِنَّمَا خَصَّ الْعِشَارَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهَا أَعَزُّ مَا تَكُونُ عَلَى الْعَرَبِ، وَلَيْسَ يُعَطِّلُهَا أَهْلُهَا إِلَّا حَالَ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْمَثَلِ، لِأَنَّ فِي الْقِيَامَةِ لَا تَكُونُ نَاقَةً عُشَرَاءَ، وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَثَلَ، أن هول يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِحَالٍ لَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ نَاقَةٌ عُشَرَاءُ لَعَطَّلَهَا وَاشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ إِذَا قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، وَشَاهَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَرَأَوُا الْوُحُوشَ وَالدَّوَابَّ مَحْشُورَةً، وَفِيهَا عِشَارُهُمُ الَّتِي كَانَتْ أَنْفَسَ أَمْوَالِهِمْ، لَمْ يَعْبَئُوا بِهَا، وَلَمْ يَهُمُّهُمْ أَمْرُهَا. وَخُوطِبَتِ الْعَرَبُ بِأَمْرِ الْعِشَارِ، لِأَنَّ مَالَهَا وَعَيْشَهَا أَكْثَرُهُ مِنَ الْإِبِلِ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: عُطِّلَتْ: عَطَّلَهَا أَهْلُهَا، لِاشْتِغَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
هُوَ الْوَاهِبُ الْمِائَةَ الْمُصْطَفَا ... ةَ إِمَّا مَخَاضًا وَإِمَّا عِشَارَا
وَقَالَ آخَرُ:
تَرَى المرء مهجورا إذا قل ماله ... وبئت الْغَنِيِّ يُهْدَى لَهُ وَيُزَارُ
وَمَا يَنْفَعُ الزُّوَّارَ مَالُ مَزُورِهِمْ ... إِذَا سَرَحَتْ شَوْلٌ [[فِي ط: بزل.]] لَهُ وَعِشَارُ
يُقَالُ: نَاقَةٌ عُشَرَاءُ، وَنَاقَتَانِ عُشَرَاوَانِ، وَنُوقٌ عِشَارٌ وَعُشَرَاوَاتٌ، يُبْدِلُونَ مِنْ هَمْزَةِ التَّأْنِيثِ وَاوًا. وَقَدْ عَشَّرَتِ النَّاقَةُ تَعْشِيرًا: أَيْ صَارَتْ عُشَرَاءَ. وَقِيلَ: الْعِشَارُ: السَّحَابُ يُعَطَّلُ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ وَهُوَ الْمَاءُ فَلَا يُمْطِرُ، وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُ السَّحَابَ بِالْحَامِلِ. وَقِيلَ: الدِّيَارُ تُعَطَّلُ فَلَا تُسْكَنُ. وَقِيلَ: الْأَرْضُ الَّتِي يُعَشَّرُ زَرْعُهَا تُعَطَّلُ فَلَا تُزْرَعُ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَعَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ الْأَكْثَرُ.
(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) أَيْ جُمِعَتْ وَالْحَشْرُ: الْجَمْعُ. عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَشْرُهَا: مَوْتُهَا. رواه عنه عكرمة. وحشر كل شي: الْمَوْتُ غَيْرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَإِنَّهُمَا يُوَافِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: يُحْشَرُ كل شي حَتَّى الذُّبَابُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُحْشَرُ الْوُحُوشُ غَدًا: أَيْ تُجْمَعُ حَتَّى يُقْتَصَّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، فَيُقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهَا كُونِي تُرَابًا فَتَمُوتُ. وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ عِكْرِمَةُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ "التَّذْكِرَةِ" مُسْتَوْفًى، وَمَضَى فِي سُورَةِ "الْأَنْعَامِ" [[راجع ج ٦ ص ٤٢١.]] بَعْضُهُ أَيْ إِنَّ الْوُحُوشَ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَهَا فَكَيْفَ بِبَنِي آدَمَ. وَقِيلَ: عُنِيَ بِهَذَا أَنَّهَا مَعَ نَفْرَتِهَا الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَتَنَدُّدِهَا فِي الصَّحَارِي، تَنْضَمُّ غَدًا إِلَى النَّاسِ مِنْ أَهْوَالٍ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ مَعْنَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ.
(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أَيْ مُلِئَتْ مِنَ الْمَاءِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سَجَرْتُ الْحَوْضَ أَسْجُرُهُ سَجْرًا: إِذَا مَلَأْتَهُ، وَهُوَ مَسْجُورٌ وَالْمَسْجُورُ وَالسَّاجِرُ فِي اللغة: الملآن. وروى الربيع بن خيثم: سُجِّرَتْ: فَاضَتْ وَمُلِئَتْ. وَقَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ. قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ: سُجِّرَتْ: حَقِيقَتُهُ مُلِئَتْ، فَيُفِيضُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ. وَقِيلَ: أَرْسَلَ عَذْبَهَا عَلَى مَالِحِهَا وَمَالِحَهَا عَلَى عَذْبِهَا، حَتَّى امْتَلَأَتْ. عَنِ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ: أَيْ فُجِّرَتْ فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا. الْقُشَيْرِيُّ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْفَعَ اللَّهُ الْحَاجِزَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ [الرحمن: ٢٠]، فَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ الْبَرْزَخُ تَفَجَّرَتْ مِيَاهُ الْبِحَارِ، فَعَمَّتِ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَصَارَتِ الْبِحَارُ بَحْرًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: صَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا مِنَ الْحَمِيمِ لِأَهْلِ النَّارِ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَقَتَادَةَ وَابْنِ حَيَّانَ: تَيْبَسُ فَلَا يَبْقَى مِنْ مَائِهَا قَطْرَةٌ. الْقُشَيْرِيُّ: وَهُوَ مِنْ سَجَرْتُ التَّنُّورَ أَسْجُرُهُ سَجْرًا: إِذَا أَحْمَيْتَهُ وَإِذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ الْإِيقَادُ نَشِفَ مَا فِيهِ مِنَ الرُّطُوبَةِ وَتُسَيَّرُ الْجِبَالُ حِينَئِذٍ وَتَصِيرُ الْبِحَارُ وَالْأَرْضُ كُلُّهَا بِسَاطًا وَاحِدًا، بِأَنْ يُمْلَأَ مَكَانُ الْبِحَارِ بِتُرَابِ الْجِبَالِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَقَدْ تَكُونُ الْأَقْوَالُ مُتَّفِقَةً، يَكُونُ تَيْبَسُ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ أَنْ يَفِيضَ، بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَتُقْلَبُ نَارًا. قُلْتُ: ثُمَّ تُسَيَّرُ الْجِبَالُ حِينَئِذٍ، كَمَا ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَشِمْرٌ وَعَطِيَّةُ وَسُفْيَانُ وَوَهْبٌ وَأُبَيٌّ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ: أُوقِدَتْ فَصَارَتْ نَارًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكَوِّرُ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهَا رِيحًا دَبُورًا، فَتَنْفُخُهُ حَتَّى يَصِيرَ نَارًا. وَكَذَا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: (يَأْمُرُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فَيَنْتَثِرُونَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الدَّبُورَ فَيُسَجِّرُهَا نَارًا، فَتِلْكَ نَارُ اللَّهِ الْكُبْرَى، الَّتِي يُعَذِّبُ بِهَا الْكُفَّارَ (. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُجِّرَتْ أُوقِدَتْ، يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ فِي قُعُورٍ مِنَ الْبِحَارِ، فَهِيَ الْآنَ غَيْرُ مَسْجُورَةٍ لِقِوَامِ الدُّنْيَا، فَإِذَا انْقَضَتِ الدُّنْيَا سُجِّرَتْ، فَصَارَتْ كُلُّهَا نَارًا يُدْخِلُهَا اللَّهُ أَهْلَهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارٌ، ثُمَّ يُوقِدُ اللَّهُ الْبَحْرَ كُلَّهُ فَيَصِيرُ نَارًا. وَفِي الْخَبَرِ: الْبَحْرُ نَارٌ في نار.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعِيدٍ: بَحْرُ الرُّومِ وَسَطَ الْأَرْضِ، أَسْفَلُهُ آبَارٌ مُطْبَقَةٌ بِنُحَاسٍ يُسَجَّرُ نَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: تَكُونُ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ، فَيَكُونُ الْبَحْرُ نَارًا بِحَرِّ الشَّمْسِ. ثُمَّ جَمِيعُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَكُونَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ [[يوم: ساقطة من ب، ز، ط.]] الْقِيَامَةِ، وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ فَيَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قُلْتُ: رُوِيَ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لَا يُتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ طَبَقُ جَهَنَّمَ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: سِتُّ آيَاتٍ مِنْ قَبْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ وَبَدَتِ النُّجُومُ فَتَحَيَّرُوا وَدُهِشُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَنْظُرُونَ إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ وَتَسَاقَطَتْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاحْتَرَقَتْ، فَصَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا، فَفَزِعَتِ الْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ وَالْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالْوُحُوشُ وَالْهَوَامُّ وَالطَّيْرُ، وَمَاجَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ثُمَّ قَالَتِ الْجِنُّ لِلْإِنْسِ: نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ، فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبِحَارِ فَإِذَا هِيَ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمْ رِيحٌ فَأَمَاتَتْهُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى سُجِّرَتْ: هُوَ حُمْرَةُ مَائِهَا، حَتَّى تَصِيرَ كَالدَّمِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَيْنٌ سَجْرَاءُ: أَيْ حَمْرَاءُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ سُجِّرَتْ وَأَبُو عَمْرٍو أَيْضًا، إِخْبَارًا عَنْ حَالِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ إِخْبَارًا عَنْ حَالِهَا فِي تَكْرِيرِ ذَلِكَ مِنْهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قَالَ: (يُقْرَنُ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ كَعَمَلِهِ). وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُقْرَنُ الْفَاجِرُ مَعَ الْفَاجِرِ، وَيُقْرَنُ الصَّالِحُ مَعَ الصَّالِحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَلِكَ حِينَ يَكُونُ النَّاسُ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً، السَّابِقُونَ زَوْجٌ- يَعْنِي صِنْفًا- وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ زَوْجٌ، وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ زَوْجٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: زُوِّجَتْ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحُورِ الْعِينِ، وقرن الكافر بِالشَّيَاطِينِ، وَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: قُرِنَ كُلُّ شَكْلٍ بِشَكْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، فَيُضَمُّ الْمُبَرِّزُ فِي الطَّاعَةِ إِلَى مِثْلِهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَهْلُ الْمَعْصِيَةِ إِلَى مِثْلِهِ، فَالتَّزْوِيجُ أَنْ يُقْرَنَ الشَّيْءُ بِمِثْلِهِ، وَالْمَعْنَى: وَإِذَا النُّفُوسُ قُرِنَتْ إِلَى أَشْكَالِهَا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقِيلَ: يُضَمُّ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى مَنْ كَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ مَلِكٍ وَسُلْطَانٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢]. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: جُعِلُوا أَزْوَاجًا عَلَى أَشْبَاهِ أَعْمَالِهِمْ لَيْسَ بِتَزْوِيجٍ، أَصْحَابُ الْيَمِينِ زَوْجٌ، وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ زَوْجٌ، وَالسَّابِقُونَ زَوْجٌ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢] أَيْ أَشْكَالَهُمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قُرِنَتِ الْأَرْوَاحُ بِالْأَجْسَادِ، أَيْ رُدَّتْ إِلَيْهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: أُلْحِقَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ: الْيَهُودُ بِالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى بِالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسُ بِالْمَجُوسِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يُلْحَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَالْمُنَافِقُونَ بِالْمُنَافِقِينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: يُقْرَنُ الْغَاوِي بِمَنْ أَغْوَاهُ مِنْ شَيْطَانٍ أَوْ إِنْسَانٍ، عَلَى جِهَةِ الْبُغْضِ وَالْعَدَاوَةِ، وَيُقْرَنُ الْمُطِيعُ بِمَنْ دَعَاهُ إِلَى الطَّاعَةِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: قُرِنَتِ النُّفُوسُ بِأَعْمَالِهَا، فَصَارَتْ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ كَالتَّزْوِيجِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ الموءودة الْمَقْتُولَةُ، وَهِيَ الْجَارِيَةُ تُدْفَنُ وَهِيَ حَيَّةٌ، سُمِّيَتْ بذلك لما يطرح عليها من التراب، فيوءودها أَيْ يُثْقِلُهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة: ٢٥٥] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ، وَقَالَ مُتَمِّمُ بْنُ نُوَيْرَةَ:
وموءودة مَقْبُورَةٌ فِي مَفَازَةٍ ... بِآمَتِهَا مَوْسُودَةٌ لَمْ تُمَهَّدِ [[كذا روى البيت ونسب إلى متمم بن نويرة في الأصول ونسبه اللسان وشرح القاموس مادة (عوز) إلى حسان رضى الله عنه وروى فيهما:
وموءودة مقرورة في معاوز ... بآمتها مرموسة لم توسد
والآمة: ما يعلق بسرة المولود إذا سقط من بطن أمه. والمعاوز: خرق يلف بها الصبي.]]
وَكَانُوا يَدْفِنُونَ بَنَاتِهِمْ أَحْيَاءً لِخَصْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَأَلْحَقُوا الْبَنَاتِ بِهِ. الثَّانِيَةُ إِمَّا مَخَافَةَ الْحَاجَةِ وَالْإِمْلَاقِ، وَإِمَّا خوفا من السبي والاسترقاق. وقد مضى فِي سُورَةِ "النَّحْلِ" [[راجع ج ١٠ ص (١١٧)]] هَذَا الْمَعْنَى، عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ [النحل: ٥٩] مُسْتَوْفًى. وَقَدْ كَانَ ذَوُو الشَّرَفِ مِنْهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ هَذَا وَيَمْنَعُونَ مِنْهُ، حَتَّى افْتَخَرَ بِهِ الْفَرَزْدَقُ، فَقَالَ:
وَمِنَّا [[ويروى: وجدي الذي منع الوائدات ... إلخ.]] الَّذِي مَنَعَ الْوَائِدَاتِ ... فَأَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ يُوأَدِ
يَعْنِي جَدَّهُ صَعْصَعَةَ كَانَ يَشْتَرِيهِنَّ مِنْ آبَائِهِنَّ. فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَقَدْ أَحْيَا سبعين موءودة. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا حَمَلَتْ حَفَرَتْ حُفْرَةً، وَتَمَخَّضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَةً رَمَتْ بِهَا فِي الْحُفْرَةِ، وَرَدَّتِ التُّرَابَ عَلَيْهَا، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا حَبَسَتْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
سَمَّيْتُهَا إِذْ وُلِدَتْ تَمُوتُ ... وَالْقَبْرُ صِهْرٌ ضَامِنٌ زِمِّيتُ
الزَّمِّيتُ الْوَقُورُ، وَالزَّمِيتُ مِثَالُ الْفِسِّيقِ أَوْقَرُ مِنَ الزِّمِّيتِ، وَفُلَانٌ أَزْمَتُ النَّاسِ أَيْ أَوْقَرُهُمْ، وَمَا أَشَدَّ تَزَمُّتَهُ، عَنِ الْفَرَّاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يَقْتُلُ أَحَدُهُمُ ابْنَتَهُ، وَيَغْذُو كَلْبَهُ، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ قَالَ عُمَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ قَالَ: جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إني وأدت ثمان بَنَاتٍ كُنَّ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: (فَأَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَاحِبُ إِبِلٍ، قَالَ: (فَأَهْدِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً إِنْ شِئْتَ). وقوله تعالى: سُئِلَتْ سؤال الموءودة سُؤَالُ تَوْبِيخٍ لِقَاتِلِهَا، كَمَا يُقَالُ لِلطِّفْلِ إِذَا ضُرِبَ: لِمَ ضُرِبْتَ؟ وَمَا ذَنْبُكَ؟ قَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوَبِّخَ قَاتِلَهَا، لِأَنَّهَا قُتِلَتْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ. وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ: بِأَيِّ ذَنْبٍ ضُرِبَتْ، وَكَانُوا يَضْرِبُونَهَا. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سُئِلَتْ قَالَ: طُلِبَتْ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ كَمَا يُطْلَبُ بِدَمِ الْقَتِيلِ. قَالَ: وَهُوَ كقوله: وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا [الأحزاب: ١٥] أَيْ مَطْلُوبًا. فَكَأَنَّهَا طُلِبَتْ مِنْهُمْ، فَقِيلَ أَيْنَ أولادكم؟ وقرا الضحاك وأبو الضحا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ فَتَتَعَلَّقُ الْجَارِيَةُ بِأَبِيهَا، فَتَقُولُ: بِأَيِ ذنب قَتَلْتَنِي؟! فَلَا يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ، قَالَهُ ابْنُ عباس وكان يقرأ وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفٍ أُبَيٍّ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَقْتُلُ وَلَدَهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا وَلَدُهَا بِثَدْيَيْهَا، مُلَطَّخًا بِدِمَائِهِ، فَيَقُولُ يَا رَبُّ، هَذِهِ أُمِّي، وَهَذِهِ قَتَلَتْنِي (. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى لِعِيسَى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ، عَلَى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وَالتَّبْكِيتِ لَهُمْ، فَكَذَلِكَ سُؤَالُ الموءودة تَوْبِيخٌ لِوَائِدِهَا، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ سُؤَالِهَا عَنْ قَتْلِهَا، لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِذَنْبٍ، فَبِأَيِّ ذَنْبٍ كَانَ ذَلِكَ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهَا، كَانَ أَعْظَمَ فِي الْبَلِيَّةِ وَظُهُورِ الْحُجَّةِ عَلَى قَاتِلِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وقرى "قُتِّلَتْ" بِالتَّشْدِيدِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ لَا يُعَذَّبُونَ، وَعَلَى أَنَّ التَّعْذِيبَ لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا بِذَنْبٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ أَيْ فُتِحَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَطْوِيَّةً، وَالْمُرَادُ صُحُفُ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَتَبَتِ الْمَلَائِكَةُ فِيهَا مَا فَعَلَ أَهْلُهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، تُطْوَى بِالْمَوْتِ، وَتُنْشَرُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَقِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ عَلَى صَحِيفَتِهِ، فَيَعْلَمُ مَا فِيهَا، فَيَقُولُ: مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف: ٤٩]. وَرَوَى مَرْثَدُ بْنُ وَدَاعَةَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تَطَايَرَتِ الصُّحُفُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَتَقَعُ صَحِيفَةُ الْمُؤْمِنِ فِي يَدِهِ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ [الحاقة: ٢٢] إلى قوله: الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ [الحاقة: ٢٤] وَتَقَعُ صَحِيفَةُ الْكَافِرِ فِي يَدِهِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ إلى قوله: وَلا كَرِيمٍ [الواقعة: ٤٤ - ٤٢]. وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالنِّسَاءِ؟ قَالَ: (شُغِلَ النَّاسُ يَا أُمَّ سَلَمَةَ). قُلْتُ: وَمَا شَغَلَهُمْ؟ قَالَ: (نَشْرُ الصُّحُفِ فِيهَا مَثَاقِيلُ الذَّرِّ وَمَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ). وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ "سُبْحَانَ" [[راجع ج ١٠ ص ٢٣٠.]] قَوْلُ أَبِي الثَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ: هُمَا نَشْرَتَانِ وَطَيَّةٌ، أَمَّا مَا حَيِيتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَصَحِيفَتُكَ الْمَنْشُورَةُ فَأَمِّلْ فِيهَا مَا شِئْتَ، فَإِذَا مُتَّ طُوِيَتْ، حَتَّى إِذَا بُعِثْتَ نُشِرَتِ اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الاسراء: ١٤]. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا مَاتَ الْمَرْءُ طُوِيَتْ صَحِيفَةُ عَمَلِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نُشِرَتْ. وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قرأها قال: إليك يساق الامر يا بن آدَمَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو نُشِرَتْ مُخَفَّفَةً، عَلَى نُشِرَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِقِيَامِ الْحُجَّةِ. الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، عَلَى تَكْرَارِ النَّشْرِ، لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَقْرِيعِ الْعَاصِي، وَتَبْشِيرِ الْمُطِيعِ. وَقِيلَ: لِتَكْرَارِ ذَلِكَ مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْمَلَائِكَةِ الشُّهَدَاءِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ﴾: الْكَشْطُ: قَلْعٌ عَنْ شِدَّةِ الْتِزَاقٍ، فَالسَّمَاءُ تُكْشَطُ كَمَا يُكْشَطُ الْجِلْدُ عَنِ الْكَبْشِ وَغَيْرُهُ وَالْقَشْطُ: لُغَةٌ فِيهِ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ "وَإِذَا السَّمَاءُ قُشِطَتْ" وَكَشَطْتُ الْبَعِيرَ كَشْطًا: نَزَعْتُ جِلْدَهُ وَلَا يُقَالُ سَلَخْتُهُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ فِي الْبَعِيرِ إِلَّا كَشَطْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، وَانْكَشَطَ: أَيْ ذَهَبَ، فَالسَّمَاءُ تُنْزَعُ مِنْ مَكَانِهَا كَمَا يُنْزَعُ الْغِطَاءُ عَنِ الشَّيْءِ. وَقِيلَ: تُطْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء: ١٠٤] فَكَأَنَّ الْمَعْنَى: قُلِعَتْ فَطُوِيَتْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ أَيْ أُوقِدَتْ فَأُضْرِمَتْ لِلْكُفَّارِ وَزِيدَ فِي إِحْمَائِهَا. يُقَالُ: سَعَّرْتُ النَّارَ وَأَسْعَرْتُهَا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالتَّخْفِيفِ مِنَ السَّعِيرِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ وَرُوَيْسٌ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا أُوقِدَتْ مدة بَعْدَ مَرَّةٍ. قَالَ قَتَادَةُ: سَعَّرَهَا غَضَبُ اللَّهِ وَخَطَايَا بَنِي آدَمَ. وَفِي التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ" وَرُوِيَ مَوْقُوفًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ أَيْ دَنَتْ وَقَرُبَتْ مِنَ الْمُتَّقِينَ. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهُمْ يُقَرَّبُونَ مِنْهَا، لَا أَنَّهَا تَزُولُ عَنْ مَوْضِعِهَا. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ يَقُولُ: زُيِّنَتْ: [[في ز: أدنيت.]] أُزْلِفَتْ؟ وَالزُّلْفَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْقُرْبَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء: ٩٠]، وَتَزَلَّفَ فُلَانٌ تَقَرَّبَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ يَعْنِي مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَهَذَا جَوَابُ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَمَا بَعْدَهَا. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِهَذَا أجرى الحديث. وروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآهَا، فَلَمَّا بَلَغَا عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ قَالَا لِهَذَا أُجْرِيَتِ الْقِصَّةُ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ مِنْ عَمَلِهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَهُ [وَيَنْظُرُ [[الزيادة من صحيح مسلم.]] أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ] بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ) وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قسم وَقَعَ عَلَى قَوْلِهِ: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ كَمَا يُقَالُ: إِذَا نَفَرَ زَيْدٌ نَفَرَ عَمْرٌو. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ اثْنَتَا عَشْرَةَ خَصْلَةً: سِتَّةٌ فِي الدُّنْيَا، وَسِتَّةٌ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا السِّتَّةَ الْأُولَى بِقَوْلِ أُبَيِّ بن كعب.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ","وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ","وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُىِٕلَتۡ","بِأَیِّ ذَنۢبࣲ قُتِلَتۡ","وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ","وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجَحِیمُ سُعِّرَتۡ","وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ","عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ"],"ayah":"بِأَیِّ ذَنۢبࣲ قُتِلَتۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق