الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا﴾ أَيْ مَنْ أَفَلَتْ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ سَبَقَ إِلَى الْحَيَاةِ. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ" أَيْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُظَفِّرَكَ اللَّهُ بِهِمْ. وَقِيلَ: يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ وَحَمْزَةُ "يَحْسَبَنَّ" بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ. وَ "الَّذِينَ كَفَرُوا" مَفْعُولٌ أَوَّلُ. وَ "سَبَقُوا" مَفْعُولٌ ثَانٍ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْيَاءِ فَزَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مِنْهُمْ أبو حاتم أَنَّ هَذَا لَحْنٌ لَا تَحِلُّ الْقِرَاءَةُ بِهِ، ولا تسع لِمَنْ عَرَفَ الْإِعْرَابَ أَوْ عُرِّفَهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِ"- يَحْسَبَنَّ "بِمَفْعُولٍ وَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا تَحَامُلٌ شَدِيدٌ، وَالْقِرَاءَةُ تَجُوزُ وَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَلَا يَحْسَبَنَّ مَنْ خَلْفَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، إِلَّا أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالتَّاءِ أَبْيَنُ. الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلِ ضَمِيرُ النَّبِيِّ ﷺ، وَيَكُونَ" الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا "الْمَفْعُولَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" الَّذِينَ كَفَرُوا "فَاعِلًا، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، الْمَعْنَى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْفُسَهُمْ سَبَقُوا. مَكِّيٌّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُضْمَرَ مَعَ سَبَقُوا أَنْ، فَيَسُدَّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ سَبَقُوا، فهو مثل﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾[[راجع ج ١٣ ص ٣٢٣.]] [العنكبوت: ٢] فِي سَدِّ أَنْ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَاسْتَبْعَدَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونِ. قَالَ النَّحَّاسُ: الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ، [لَا يَجُوزُ] [[زيادة عن إعراب القرآن للنحاس يقتضيها السياق.]] حَسِبْتُ زَيْدًا أَنَّهُ خَارِجٌ، إِلَّا بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْمُبْتَدَأِ، كَمَا تَقُولُ: حَسِبْتُ زَيْدًا [أَبُوهُ خَارِجٌ، وَلَوْ فَتَحْتَ لَصَارَ الْمَعْنَى حَسِبْتُ زَيْدًا] [[زيادة عن إعراب القرآن للنحاس يقتضيها السياق.]] خُرُوجَهُ. وَهَذَا مُحَالٌ، وَفِيهِ أَيْضًا مِنَ الْبُعْدِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ يَصِحُّ بِهِ مَعْنًى، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ "لَا" زَائِدَةً، وَلَا وَجْهَ لِتَوْجِيهِ حَرْفٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى التَّطَوُّلِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَالْقِرَاءَةُ جَيِّدَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لِأَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونِ. مَكِّيٌّ: فَالْمَعْنَى لَا يَحْسَبَنَّ الْكُفَّارُ أَنْفُسَهُمْ فَاتُوا لِأَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونِ، أَيْ لَا يَفُوتُونَ. فَ"- أَنَّ "فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِحَذْفِ اللَّامِ، أَوْ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى إِعْمَالِ اللَّامِ لِكَثْرَةِ حَذْفِهَا مَعَ" أَنَّ"، وَهُوَ يُرْوَى عَنِ الْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ "إِنَّ" عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْقَطْعِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّأْكِيدِ، وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ أَنَّهُ قَرَأَ "لَا يُعَجِّزُونِ" بِالتَّشْدِيدِ وَكَسْرِ النُّونِ. النَّحَّاسُ: وَهَذَا خَطَأٌ من وجهين: أحدهما- أَنَّ مَعْنَى عَجَّزَهُ ضَعَّفَهُ وَضَعَّفَ أَمْرَهُ. وَالْآخَرُ- أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِنُونَيْنِ. وَمَعْنَى أَعْجَزَهُ سَبَقَهُ وَفَاتَهُ حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب