الباحث القرآني
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ هَذَا الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِلَا خِلَافٍ. وَالِاسْتِجَابَةُ: الْإِجَابَةُ. وَ (يُحْيِيكُمْ) أَصْلُهُ يُحْيِيُكُمْ، حُذِفَتِ الضَّمَّةُ مِنَ الْيَاءِ لِثِقَلِهَا. وَلَا يَجُوزُ الْإِدْغَامُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى "اسْتَجِيبُوا" أَجِيبُوا، وَلَكِنْ عُرْفُ الْكَلَامُ أَنْ يَتَعَدَّى اسْتَجَابَ بِلَامٍ، وَيَتَعَدَّى أَجَابَ دُونَ لام. قال الله تعالى:" يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [[راجع ج ١٦ ص ٢١٧.]] ". وَقَدْ يَتَعَدَّى اسْتَجَابَ بِغَيْرِ لَامٍ، وَالشَّاهِدُ لَهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ [[هو كعب بن سعد الغنوي يرث ى أخاه أبا المغوار.]]:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
تَقُولُ: أَجَابَهُ وَأَجَابَ عَنْ سُؤَالِهِ. وَالْمَصْدَرُ الْإِجَابَةُ. وَالِاسْمُ الْجَابَةُ، بِمَنْزِلَةِ الطَّاقَةِ وَالطَّاعَةِ. تَقُولُ: أَسَاءَ سَمْعًا فَأَسَاءَ جَابَةً [[أصل هذا المثل على ما ذكر الزبير بن بكار أنه كان لسهل بن عمر بن مضعوف فقال له إنسان: أين أمك (بفتح الهمزة وتشديد الميم المضمومة) أي أين قصدك، فظن أنه يقول له: أين أمك، (بضم الهمزة والميم) فقال: ذهبت تشترى دقيقا. فقال أبوه: أساء سمعا ... إلخ.
(عن اللسان).]]. هَكَذَا يُتَكَلَّمُ بِهَذَا الْحَرْفِ. وَالْمُجَاوَبَةُ وَالتَّجَاوُبُ: التَّحَاوُرُ. وَتَقُولُ: إِنَّهُ لَحَسَنُ الْجِيبَةِ (بِالْكَسْرِ) أَيِ الْجَوَابُ.
(لِما يُحْيِيكُمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: "اسْتَجِيبُوا". الْمَعْنَى: اسْتَجِيبُوا لِمَا يُحْيِيكُمْ إِذَا دَعَاكُمْ. وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ إِلَى مَا يُحْيِيكُمْ، أَيْ يُحْيِي دِينَكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ. وَقِيلَ: أَيْ إِلَى مَا يُحْيِي بِهِ قُلُوبَكُمْ فَتُوَحِّدُوهُ، وَهَذَا إِحْيَاءٌ مُسْتَعَارٌ، لِأَنَّهُ مِنْ مَوْتِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْجُمْهُورُ: الْمَعْنَى اسْتَجِيبُوا لِلطَّاعَةِ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنْ أَوَامِرَ وَنَوَاهِي، فَفِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَالنِّعْمَةُ السَّرْمَدِيَّةُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "لِما يُحْيِيكُمْ" الْجِهَادُ، فَإِنَّهُ سَبَبُ الْحَيَاةِ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا لَمْ يُغْزَ غَزَا، وَفِي غَزْوِهِ الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ فِي الْجِهَادِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ [[راجع ج ٤ ص ٢٦٨.]] "وَالصَّحِيحُ الْعُمُومُ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ. الثَّانِيَةُ- رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ:" أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَاتِحَةِ [[راجع ج ١ ص ١٠٨.]]. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْفَرْضَ أَوِ الْقَوْلَ الْفَرْضَ إِذَا أُتِيَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَبْطُلُ، لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْإِجَابَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ. قُلْتُ: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا يُصَلِّي فَأَبْصَرَ غُلَامًا يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ فِي، بِئْرٍ فَصَاحَ بِهِ وَانْصَرَفَ إِلَيْهِ وَانْتَهَرَهُ لَمْ يكن بذلك بأس. والله أعلم. الثالثة- قوله تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) قِيلَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي النَّصَّ مِنْهُ عَلَى خَلْقِهِ تَعَالَى الْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ فَيَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، فَلَا يَكْتَسِبُهُ إذا لَمْ يُقَدِرْهُ عَلَيْهِ بَلْ أَقْدَرَهُ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْكُفْرُ. وَهَكَذَا الْمُؤْمِنُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ. فَبَانَ بِهَذَا النَّصِّ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقٌ لِجَمِيعِ اكْتِسَابِ [[أي أفعالهم إذ هي مخلوقة له سبحانه والاكتساب للعبد.]] الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ". وَكَانَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ عَدْلًا فِيمَنْ أَضَلَّهُ وَخَذَلَهُ، إِذْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ فَتَزُولَ صِفَةُ الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ لَا مَا وَجَبَ لَهُمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَكْفُرَ أَيْضًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَيْ بِمَشِيئَتِهِ. وَالْقَلْبُ مَوْضِعُ الْفِكْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ١ ص ١٨٧.]] "بَيَانُهُ. وَهُوَ بِيَدِ اللَّهِ، مَتَى شَاءَ حَالَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ بِمَرَضٍ أَوْ آفَةٍ كَيْلَا يَعْقِلَ أَيْ بَادِرُوا إِلَى الِاسْتِجَابَةِ قَبْلَ أَلَّا تَتَمَكَّنُوا مِنْهَا بِزَوَالِ الْعَقْلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى يحول بين المرء وَعَقْلِهِ حَتَّى لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ. وَفِي التَّنْزِيلِ:" إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ [[راجع ج ١٧ ص ٢٢.]] قَلْبٌ [٥٠: ٣٧]" أَيْ عَقْلٌ. وَقِيلَ: يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِالْمَوْتِ، فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَ. وَقِيلَ: خَافَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ كَثْرَةَ الْعَدُوِّ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ بِأَنْ يُبَدِّلَهُمْ بَعْدَ الْخَوْفِ أَمْنًا، وَيُبَدِّلَ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْأَمْنِ خَوْفًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يُقَلِّبُ الْأُمُورَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَهَذَا جَامِعٌ. وَاخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِقُلُوبِ الْعِبَادِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِذَا شَاءَ، حَتَّى لَا يُدْرِكَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) عَطْفٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوِ اسْتَأْنَفْتَ فَكَسَرْتَ، "وَأَنَّهُ ١٣٠" كَانَ صَوَابًا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق