الباحث القرآني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ مَدَنِيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرٍ وَعَطَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا سَبْعَ آيَاتٍ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [[راجع ص ٣٩٥. من هذا الجزء.]] ٣٠" إلى آخر السبع آيات. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) فيه ست مَسَائِلَ: الْأُولَى- رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى بَدْرٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ، فَلَمَّا هَزَمَهُمُ اللَّهُ اتَّبَعَتْهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتَوْلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَسْكَرِ وَالنَّهْبِ، فَلَمَّا نَفَى اللَّهُ الْعَدُوَّ وَرَجَعَ الَّذِينَ طَلَبُوهُمْ قَالُوا: لَنَا النَّفْلُ، نَحْنُ الَّذِينَ طَلَبْنَا الْعَدُوَّ وَبِنَا نَفَاهُمُ اللَّهُ وَهَزَمَهُمْ. وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَا أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنَّا، بَلْ هُوَ لَنَا، نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِئَلَّا يَنَالَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً. وَقَالَ الَّذِينَ اسْتَلْوَوْا عَلَى الْعَسْكَرِ وَالنَّهْبِ: مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا، هُوَ لَنَا، نَحْنُ حَوَيْنَاهُ وَاسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ فُوَاقٍ بَيْنَهُمْ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ: اسْتَلْوَوْا أَطَافُوا وَأَحَاطُوا، يُقَالُ: الْمَوْتُ مُسْتَلْوٍ عَلَى العباد. وقوله: "فقسمه عن فُوَاقٍ" يَعْنِي عَنْ سُرْعَةٍ. قَالُوا: وَالْفُوَاقُ مَا بَيْنَ حَلْبَتَيِ النَّاقَةِ. يُقَالُ: انْتَظَرَهُ فُوَاقَ نَاقَةٍ، أي هذا الْمِقْدَارُ. وَيَقُولُونَهَا بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: فُوَاقٌ وَفَوَاقٌ. وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ: "وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ" الْآيَةَ. وَكَأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: أَيْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ الْحُكْمُ فِيهَا وَالْعَمَلُ بِهَا بِمَا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَشْدَقِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُولِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَوَاءٍ. يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ. فَكَانَ ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ وَصَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: اغْتَنَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَنِيمَةً عَظِيمَةً، فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ، فَأَخَذْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ، فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ حَالَهُ. قَالَ: "رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ" فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ [[القبض بالتحريك بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم.]] لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ. قَالَ: فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ (رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ) فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ، قَالَ: فَشَدَّ لِي صَوْتَهُ "رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ". لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَالرِّوَايَاتُ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْهِدَايَةِ. الثَّانِيَةُ: الْأَنْفَالُ وَاحِدُهَا نَفَلٌ بِتَحْرِيكِ الْفَاءِ، قَالَ [[القائل هو ليد، كما اللسان (مادة النقل).]]: إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلٍ ... وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَالْعَجَلْ أَيْ خَيْرُ غَنِيمَةٍ. وَالنَّفْلُ: الْيَمِينُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ "فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِنَفْلِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ". وَالنَّفْلُ الِانْتِفَاءُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ "فَانْتَفَلَ مِنْ وَلَدِهَا". وَالنَّفَلُ: نَبْتٌ مَعْرُوفٌ. وَالنَّفْلُ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاجِبِ، وَهُوَ التَّطَوُّعُ. وَوَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةٌ، لِأَنَّهُ زيادة على الولد. والغنيمة نافلة، لأنها زِيَادَةٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرِهَا. قَالَ ﷺ: "فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ- وَفِيهَا- وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ". وَالْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ أَنْفُسُهَا. قَالَ عَنْتَرَةُ: إِنَّا إِذَا احْمَرَّ الْوَغَى نَرْوِي الْقَنَا وَنَعِفُّ عِنْدَ مَقَاسِمِ الْأَنْفَالِ أَيِ الْغَنَائِمُ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَحِلِّ الْأَنْفَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ أقوال: الأول- محلها فيما شد عَنِ الْكَافِرِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَرْبٍ. الثَّانِي- مَحِلُّهَا الْخُمُسُ. الثَّالِثُ- خُمُسُ الْخُمُسِ. الرَّابِعُ- رَأْسُ الْغَنِيمَةِ، حَسَبَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَنْفَالَ مَوَاهِبُ الْإِمَامِ مِنَ الْخُمُسِ، عَلَى مَا يَرَى مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ نَفَلٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرَ النَّفْلَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ أَهْلَهَا مُعَيَّنُونَ وَهُمُ الْمُوجِفُونَ [[الموجفون: المحصلون بخيل وركاب. والإيجاف: سرعة السير.]]، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ قَسْمُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. وَأَهْلُهُ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ. قَالَ ﷺ: "مَا لِيَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ". فَلَمْ يُمْكِنْ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّفْلُ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الْخُمُسُ. هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً، وَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا. هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَلَى الشَّكِّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْهُ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا وَلَمْ يَشُكَّ. وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي جَيْشٍ قِبَلَ نَجْدٍ- فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ- وَانْبَعَثَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْجَيْشِ- فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ: فَكُنْتُ مِمَّنْ خَرَجَ فِيهَا- فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَيْ عشر بعيرا، ونقل أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَكَانَ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَاحْتَجَّ بِهَذَا من يَقُولُ: إِنَّ النَّفْلَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْخُمُسِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ هَذِهِ السَّرِيَّةَ لَوْ نُزِّلَتْ عَلَى أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا أَصَابُوا فِي غَنِيمَتِهِمْ مِائَةً وَخَمْسِينَ، أَخْرَجَ مِنْهَا خُمُسَهَا ثَلَاثِينَ وَصَارَ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، قُسِّمَتْ عَلَى عَشْرَةٍ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، ثُمَّ أُعْطِيَ الْقَوْمُ مِنَ الْخُمُسِ بَعِيرًا بَعِيرًا، لِأَنَّ خُمُسَ الثَّلَاثِينَ لَا يَكُونُ فِيهِ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ. فَإِذَا عَرَفْتَ مَا لِلْعَشَرَةِ عَرَفْتَ مَا لِلْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَأَزْيَدَ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بِأَنْ قَالَ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثياب تباع ومتاع غير الإبل، فأعط مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْبَعِيرُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ مِنْ تِلْكَ الْعُرُوضِ. وَمِمَّا يُعَضِّدُ هَذَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ: فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا، الْحَدِيثَ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمِيرَ نَفَّلَهُمْ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّفْلُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَوْلُ مَنْ رَوَى خِلَافَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُنَفَّلُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَإِنْ زَادَهُمْ فَلْيَفِ لَهُمْ وَيَجْعَلْ ذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ فِي النَّفْلِ حَدٌّ لَا يَتَجَاوَزُهُ الْإِمَامُ. الرَّابِعَةُ- وَدَلَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيدُ وَالْحَكَمُ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ السَّرِيَّةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الْعَسْكَرِ فَغَنِمَتْ أَنَّ الْعَسْكَرَ شُرَكَاؤُهُمْ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَحُكْمٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ شُعَيْبٍ عَنْ نَافِعٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْإِمَامِ يَقُولُ قَبْلَ الْقِتَالِ: مَنْ هَدَمَ كَذَا مِنَ الْحِصْنِ فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ بَلَغَ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا، يُضَرِّيهِمْ [[التضرية: الإغراء.]]. فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَقَالَ: هُوَ قِتَالٌ عَلَى الدُّنْيَا. وَكَانَ لَا يُجِيزُهُ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا". الحديث بطوله. وَفِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا". فَتَسَارَعَ الشُّبَّانُ وَثَبَتَ الشُّيُوخُ مَعَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فُتِحَ لَهُمْ جَاءَ الشُّبَّانُ يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمُ الْأَشْيَاخُ: لَا تَذْهَبُونَ بِهِ دُونَنَا، فَقَدْ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ" ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ فِي قَوْمِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّأْمَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَلَكَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَسَبْيٍ؟. وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الشَّأْمِ: الْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ حَيْوَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَرَأَوْا الْخُمُسَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالنَّفْلُ بَعْدَ الْخُمُسِ ثُمَّ الْغَنِيمَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ لَا نَفْلَ مِنْ جِهَةِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى تُخَمَّسَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِسَرِيَّةٍ: مَا أَخَذْتُمْ فَلَكُمْ ثُلُثُهُ. قَالَ سَحْنُونُ: يُرِيدُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ نَزَلَ [[في ز وك: ترك.]] مَضَى، وَلَهُمْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِي الْبَاقِي. وَقَالَ سَحْنُونُ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ لِسَرِيَّةٍ مَا أَخَذْتُمْ فَلَا خُمُسَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، فَإِنْ نَزَلَ [[في ز وك: ترك.]] رَدَدْتُهُ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ وَلَا يُمْضَى. السَّادِسَةُ- وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَلَّا يُنَفِّلَ الْإِمَامُ إِلَّا مَا يَظْهَرُ كَالْعِمَامَةِ وَالْفَرَسِ وَالسَّيْفِ. وَمَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُنَفِّلُ الْإِمَامُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ لُؤْلُؤًا وَنَحْوَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النفل جائز من كل شي. وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ عُمَرَ وَمُقْتَضَى الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ أَمْرٌ بِالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ، أَيْ كُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْنِ، أَيِ الْحَالُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الِاجْتِمَاعُ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ شَجَرَ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، أَوْ مَالَتِ النُّفُوسُ إِلَى التَّشَاحِّ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْحَدِيثِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى [[راجع ج ١ ص ١٦١.]]، أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَقْوَالِكُمْ، وَأَفْعَالِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنَكُمْ. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فِي الْغَنَائِمِ وَنَحْوِهَا. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ إِنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَثِلَ مَا ذَكَرْنَا. وقيل: "إن" بمعنى "إذ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب