الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً﴾ ذَكَرَ جَزَاءَ مَنِ اتَّقَى مُخَالَفَةَ أَمْرِ اللَّهِ مَفازاً مَوْضِعُ فَوْزٍ وَنَجَاةٍ وَخَلَاصٍ مِمَّا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ. وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْفَلَاةِ إِذَا قَلَّ مَاؤُهَا: مَفَازَةٌ، تَفَاؤُلًا بِالْخَلَاصِ مِنْهَا. (حَدائِقَ وَأَعْناباً) هَذَا تَفْسِيرُ الْفَوْزِ. وَقِيلَ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ حَدَائِقَ، جَمْعُ حَدِيقَةٍ، وَهِيَ الْبُسْتَانُ الْمَحُوطُ عَلَيْهِ، يُقَالُ أَحْدَقَ بِهِ: أَيْ أَحَاطَ. وَالْأَعْنَابُ: جَمْعُ عِنَبٍ، أَيْ كُرُومُ أَعْنَابٍ، فَحُذِفَ. (وَكَواعِبَ أَتْراباً) كَوَاعِبُ: جَمْعُ كَاعِبٍ وَهِيَ النَّاهِدُ، يُقَالُ: كَعَبَتِ الْجَارِيَةُ تَكْعَبُ كُعُوبًا، وَكَعَّبَتْ تُكَعِّبُ تَكْعِيبًا، وَنَهَدَتْ تَنْهَدُ نُهُودًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَكَوَاعِبِ الْعَذَارَى، وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: وَكَمْ مِنْ حَصَانٍ قَدْ حَوَيْنَا كَرِيمَةٍ ... وَمِنْ كَاعِبٍ لَمْ تَدْرِ مَا الْبُؤْسُ مُعْصِرُ وَالْأَتْرَابُ: الْأَقْرَانُ فِي السِّنِّ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ "الْوَاقِعَةِ" [[راجع ج ١٧ ص (٢١١)]] الْوَاحِدُ: تِرْبٌ. (وَكَأْساً دِهاقاً) قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: مُتْرَعَةٌ مَمْلُوءَةٌ، يُقَالُ: أَدَهَقْتُ الْكَأْسَ: أَيْ مَلَأْتُهَا، وَكَأْسٌ دِهَاقٌ أَيْ مُمْتَلِئَةٌ، قَالَ: أَلَا فَاسْقِنِي صِرْفًا سَقَانِي السَّاقِي ... مِنْ مَائِهَا بِكَأْسِكَ الدِّهَاقِ وَقَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ: أَتَانَا عَامِرٌ يَبْغِي قِرَانَا ... فَأَتْرَعْنَا لَهُ كَأْسًا دِهَاقَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: مُتَتَابِعَةً، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمِنْهُ ادهقت الحجارة ادهاقا، وهو شدة تلازبها وَدُخُولُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، فَالْمُتَتَابِعُ كَالْمُتَدَاخِلِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَيْضًا وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: صَافِيَةً، قَالَ الشَّاعِرُ: لَأَنْتِ إِلَى الْفُؤَادِ أَحَبُّ قُرْبًا ... مِنَ الصَّادِيِّ إِلَى كَأْسٍ دِهَاقِ وَهُوَ جَمْعُ دَهَقٍ [[في (اللسان: دهق): وَالدَّهَقُ (بِالتَّحْرِيكِ): ضَرْبٌ مِنَ الْعَذَابِ. وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: (إشكنجه). ودهقت الشيء: كسرته وقطعته. اه.]]، وَهُوَ خَشَبَتَانِ [يُغْمَزُ [[التصحيح من كتب اللغة وفي الأصول: خشبتان يعصر بهما.]]] بِهِمَا [السَّاقُ]. وَالْمُرَادُ بِالْكَأْسِ الْخَمْرُ، فَالتَّقْدِيرُ: خَمْرًا ذَاتَ دِهَاقٍ، أَيْ عُصِرَتْ وَصُفِّيَتْ، قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَأَدْهَقْتُ الْمَاءَ: أي أفرغته إِفْرَاغًا شَدِيدًا: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَالدَّهَقُ- بِالتَّحْرِيكِ: ضَرْبٌ مِنَ الْعَذَابِ. وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَشْكَنْجَهْ. الْمُبَرِّدُ: وَالْمَدْهُوقُ: الْمُعَذَّبُ بِجَمِيعِ الْعَذَابِ الَّذِي لَا فُرْجَةَ فِيهِ. ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: دَهَقْتُ الشَّيْءَ كَسَرْتُهُ وَقَطَعْتُهُ، وَكَذَلِكَ دَهْدَقْتُهُ: وَأَنْشَدَ لِحُجْرِ بْنِ خَالِدٍ: نُدَهْدِقُ بِضْعَ اللَّحْمِ لِلْبَاعِ وَالنَّدَى ... وَبَعْضُهُمْ تَغْلِي بِذَمٍّ مَنَاقِعُهُ [[يروى هكذا في اللسان مادة (دهق). وفي الأصول (مراجله). والمناقع: القدور الصغار واحدها: متقع ومنقعة.]] وَدَهْمَقْتُهُ بِزِيَادَةِ الْمِيمِ: مِثْلُهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الدَّهْمَقَةُ: لِينُ الطَّعَامِ وَطِيبُهُ وَرِقَّتُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شي لَيِّنٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ يُدَهْمَقَ لِي لَفَعَلْتُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَابَ قَوْمًا فَقَالَ: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها [الأحقاف: ٢٠]. لَا يَسْمَعُونَ فِيها أَيْ فِي الْجَنَّةِ لَغْواً وَلا كِذَّاباً اللَّغْوُ: الْبَاطِلُ، وَهُوَ مَا يُلْغَى مِنَ الْكَلَامِ وَيُطْرَحُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: [إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ [وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا شَرِبُوا لَمْ تَتَغَيَّرْ عُقُولُهُمْ، وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا بِلَغْوٍ، بِخِلَافِ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَلا كِذَّاباً: تَقَدَّمَ، أَيْ لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَسْمَعُونَ كَذِبًا. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ (كِذَابًا) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ كَذَبْتُ كِذَابًا أَيْ لَا يَتَكَاذَبُونَ فِي الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: هُمَا مَصْدَرَانِ للتكذيب، وإنما خففها ها هنا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِفِعْلٍ يَصِيرُ مَصْدَرًا لَهُ، وَشُدِّدَ قَوْلُهُ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً لِأَنَّ كَذَّبُوا يُقَيِّدُ الْمَصْدَرَ بِالْكِذَّابِ. جَزاءً مِنْ رَبِّكَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ. لِأَنَّ الْمَعْنَى جَزَاهُمْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، جَزَاءَهُ وَكَذَلِكَ عَطاءً لِأَنَّ مَعْنَى أَعْطَاهُمْ وَجَزَاهُمْ وَاحِدٌ أَيْ أَعْطَاهُمْ عَطَاءً. حِساباً أَيْ كَثِيرًا، قَالَهُ قَتَادَةُ، يُقَالُ: أَحْسَبْتُ فُلَانًا: أَيْ كَثَّرْتُ لَهُ الْعَطَاءَ حَتَّى قَالَهُ حَسْبِي. قَالَ [[قائلته امرأة من بني قشير. ونقفيه: أي نؤثره بالقفية وهي ما يؤثر به الضيف والصبي.]]: وَنُقْفِي وَلِيدَ الْحَيِّ إِنْ كَانَ جَائِعًا ... وَنُحْسِبُهُ إن كان ليس بجائع وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: وَنَرَى أَصْلَ هَذَا أَنْ يُعْطِيَهُ حَتَّى يَقُولَ حَسْبِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: حِساباً أَيْ مَا يَكْفِيهِمْ. وَقَالَهُ الْأَخْفَشُ. يُقَالُ: أَحْسَبُنِي كَذَا: أَيْ كَفَانِي. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: حَاسَبَهُمْ فَأَعْطَاهُمْ بِالْحَسَنَةِ عَشْرًا. مُجَاهِدٌ: حِسَابًا لِمَا عَمِلُوا، فَالْحِسَابُ بِمَعْنَى الْعَدِّ أَيْ بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُ فِي وَعْدِ الرَّبِّ، فَإِنَّهُ وَعَدَ لِلْحَسَنَةِ عَشْرًا، وَوَعَدَ لِقَوْمٍ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَقَدْ وَعَدَ لِقَوْمٍ جَزَاءً لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَا مِقْدَارَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: ١٠]. وَقَرَأَ أَبُو هَاشِمٍ (عَطَاءً حِسَابًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَتَشْدِيدِ السِّينِ، عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ أَيْ كَفَافًا، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: حَسَّبْتُ الرَّجُلَ بِالتَّشْدِيدِ: إِذَا أَكْرَمْتُهُ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: إِذَا أَتَاهُ ضَيْفُهُ يُحَسِّبُهْ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ. "حِسَانًا" [[هكذا رسم الشوكاني الكلمة في تفسيره فتح القدير (٢٥٨/ ٥) ولم يضبطها.]] بِالنُّونِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب