الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ أَيْ فَمَا لِأَهْلِ مَكَّةَ أَعْرَضُوا وَوَلَّوْا عَمَّا جِئْتُمْ بِهِ. وَفِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ: الْإِعْرَاضُ عَنِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْجُحُودُ وَالْإِنْكَارُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ تَرْكُ الْعَمَلِ بما فيه. ومُعْرِضِينَ نُصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي لَهُمْ وَفِي اللَّامِ مَعْنَى الْفِعْلِ، فَانْتِصَابُ الْحَالِ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلِ. كَأَنَّهُمْ أَيْ كَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ فِي فِرَارِهِمْ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أراد الحمر الوحشية. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ، أَيْ مُنَفِّرَةٌ مَذْعُورَةٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ، أَيْ نَافِرَةٌ. يُقَالُ. نَفَرَتْ وَاسْتَنْفَرَتْ بِمَعْنًى، مِثْلَ عَجِبْتُ وَاسْتَعْجَبْتُ، وَسَخِرْتُ وَاسْتَسْخَرْتُ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ: أَمْسِكْ حِمَارَكَ إِنَّهُ مُسْتَنْفِرٌ ... فِي إِثْرِ أَحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ [[غرب (كسكر): اسم موضع وجبل دون الشام في بلاد بني كلاب.]] قَوْلُهُ تَعَالَى [[جملة (قوله تعالى) وكلمة (هربت) ساقطتان من ا، ح.]]: فَرَّتْ أَيْ نَفَرَتْ وَهَرَبَتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أَيْ مِنْ رُمَاةٍ يَرْمُونَهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ الْقَسْوَرَةَ الرامي، وجمعه القسورة. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ كَيْسَانَ: الْقَسْوَرَةُ: هُمُ الرُّمَاةُ وَالصَّيَّادُونَ، وَرَوَاهُ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو [ظَبْيَانَ [[في الأصول: (أبو حيان) وهو تحريف. والتصحيح من تفسير الثعلبي (والتهذيب).]]] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَقِيلَ: إِنَّهُ الْأَسَدُ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا. ابْنُ عَرَفَةَ: مِنَ الْقَسْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ أَيْ، إِنَّهُ يَقْهَرُ السِّبَاعَ، وَالْحُمُرَ الْوَحْشِيَّةَ تَهْرُبُ مِنَ السِّبَاعِ. وَرَوَى أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا أَعْلَمُ الْقَسْوَرَةَ الْأَسَدَ فِي لُغَةِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهَا عُصَبُ الرِّجَالِ، قَالَ: فَالْقَسْوَرَةُ جَمْعُ الرِّجَالِ، وَأَنْشَدَ: يَا بِنْتُ كُونِي خَيْرَةً لِخَيِّرِهْ ... أَخْوَالُهَا الْجِنُّ وَأَهْلُ الْقَسْوَرَهْ وَعَنْهُ: رِكْزُ النَّاسِ أَيْ حِسُّهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ. وَعَنْهُ أَيْضًا: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أَيْ مِنْ حِبَالِ الصَّيَّادِينَ. وَعَنْهُ أَيْضًا: الْقَسْوَرَةُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ: الْأَسَدُ، وَبِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الرُّمَاةُ، وَبِلِسَانِ فَارِسَ: شِيرَ، وَبِلِسَانِ النَّبَطِ: أَرَيَا. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْقَسْوَرَةُ: أَوَّلُ اللَّيْلِ، أَيْ فَرَّتْ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ أَيْضًا. وَقِيلَ: هُوَ أَوَّلُ سَوَادِ اللَّيْلِ، وَلَا يُقَالُ لِآخِرِ سَوَادِ اللَّيْلِ قَسْوَرَةٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مِنْ رِجَالٍ أَقْوِيَاءَ، وَكُلُّ شَدِيدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ قَسْوَرَةٌ وَقَسْوَرٌ. وَقَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ: إِذَا مَا هَتَفْنَا هَتْفَةً فِي ندينا ... أتانا الرجال العائدون القساور قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً﴾ أَيْ يُعْطَى كُتُبًا مَفْتُوحَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَجَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! إِيتِنَا بِكُتُبٍ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَكْتُوبٌ فِيهَا: إِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ مُحَمَّدًا، ﷺ. نَظِيرُهُ: وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الاسراء: ٩٣]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَقُولُونَ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَلْيُصْبِحْ عِنْدَ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا صَحِيفَةٌ فِيهَا بَرَاءَتُهُ وَأَمْنُهُ مِنَ النَّارِ. قَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ: أَرَادُوا أَنْ يُعْطَوْا بِغَيْرِ عَمَلٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يُصْبِحُ عِنْدَ رَأْسِهِ مَكْتُوبًا ذَنْبُهُ وَكَفَّارَتُهُ، فَأْتِنَا بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادُوا أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كِتَابٌ فِيهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنْ يُذْكَرَ بِذِكْرٍ جَمِيلٍ، فَجُعِلَتِ الصُّحُفُ مَوْضِعَ الذِّكْرِ مَجَازًا. وَقَالُوا: إِذَا كَانَتْ ذُنُوبُ الْإِنْسَانِ تُكْتَبُ عَلَيْهِ فَمَا بَالُنَا لَا نَرَى ذَلِكَ؟ كَلَّا أَيْ لَيْسَ يَكُونُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: حَقًّا. وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ، لِأَنَّهُ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ. بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ أَيْ لَا أُعْطِيهِمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ لِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ، اغْتِرَارًا بِالدُّنْيَا. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (صُحْفًا مُنْشَرَةً) بِسُكُونِ الْحَاءِ وَالنُّونِ، فَأَمَّا تَسْكِينُ الْحَاءِ فَتَخْفِيفٌ، وَأَمَّا النُّونُ فَشَاذٌّ. إِنَّمَا يُقَالُ: نَشَّرْتُ الثَّوْبَ وَشِبْهَهُ وَلَا يُقَالُ أَنْشَرْتُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَ الصَّحِيفَةَ بِالْمَيِّتِ كَأَنَّهَا مَيِّتَةٌ بِطَيِّهَا، فَإِذَا نُشِرَتْ حَيِيَتْ، فَجَاءَ عَلَى أَنْشَرَ اللَّهُ الْمَيِّتَ، كَمَا شُبِّهَ إِحْيَاءُ الْمَيِّتِ بِنَشْرِ الثَّوْبِ، فَقِيلَ فِيهِ نَشَرَ اللَّهُ الميت، فهي لغة فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب