الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً﴾ الْهَاءُ فِي أَنَّهُ لِلْأَمْرِ أَوِ الْحَدِيثِ، وَفِي كانَ اسْمُهَا، وَمَا بَعْدَهَا الْخَبَرُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كانَ زَائِدَةً. وَالسَّفِيهُ هُنَا إِبْلِيسُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَقَتَادَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ [[في ا، ح: (أبي بردة عن أبي موسى). تحريف.]] أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَقِيلَ: الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْجِنِّ: قَالَ قَتَادَةُ: عَصَاهُ سَفِيهُ الْجِنِّ كَمَا عَصَاهُ سَفِيهُ الْإِنْسِ. وَالشَّطَطُ وَالِاشْتِطَاطُ: الْغُلُوُّ فِي الْكُفْرِ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: هُوَ الْجَوْرُ. الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْكَذِبُ. وأصله البعد فَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْجَوْرِ لِبُعْدِهِ عَنِ الْعَدْلِ، وَعَنِ الْكَذِبِ لِبُعْدِهِ عَنِ الصِّدْقِ، قَالَ الشَّاعِرُ: بِأَيَّةِ حَالٍ حَكَّمُوا فِيكَ فَاشْتَطُّوا ... وَمَا ذَاكَ إِلَّا حَيْثُ يَمَّمَكَ [[يممك: قصدك. والوخط: الطعن بالرمح ومن معانيه أيضا: الشيب.]] الْوَخْطُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ أَيْ حَسِبْنَا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً، فَلِذَلِكَ صَدَّقْنَاهُمْ فِي أَنَّ لِلَّهِ صَاحِبَةً وَوَلَدًا، حَتَّى سَمِعْنَا الْقُرْآنَ وتبينا به الحق. وقرا يعقوب وَالْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنْ لَنْ تَقُولَ [[قال الآلوسي: (تقول): أصله تتقول بتاءين فحذفت إحداهما فكذبا مصدر مؤكد لان الكذب هو التقول]]. وقيل: انقطع الاخبار عن الجن ها هنا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ فَمَنْ فَتَحَ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الْجِنِّ ردها إلى قوله: أَنَّهُ اسْتَمَعَ [الجن: ١]، وَمَنْ كَسَرَ جَعَلَهَا مُبْتَدَأً مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ بِهِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ إِذَا نَزَلَ بِوَادٍ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ شَرِّ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ فِي جِوَارِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ تَعَوَّذَ بِالْجِنِّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ فَشَا ذَلِكَ فِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَاذُوا بِاللَّهِ وَتَرَكُوهُمْ. وَقَالَ كَرْدَمُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى الْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ النَّبِيُّ ﷺ، فَآوَانَا الْمَبِيتُ إِلَى رَاعِي غَنَمٍ، فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ جَاءَ الذِّئْبُ فَحَمَلَ حَمَلًا مِنَ الْغَنَمِ، فَقَالَ الرَّاعِي: يَا عَامِرَ الْوَادِي، [أَنَا [[الزيادة من الدر المنثور للسيوطي.]]] جَارُكَ. فَنَادَى مُنَادٍ يَا سَرْحَانُ أَرْسِلْهُ، فَأَتَى الْحَمَلُ يَشْتَدُّ [[يشتد: يعدو.]]. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ بِمَكَّةَ: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً أَيْ زَادَ الْجِنُّ الْإِنْسَ رَهَقاً أَيْ خَطِيئَةً وَإِثْمًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَالرَّهَقُ: الْإِثْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَغِشْيَانُ الْمَحَارِمِ، وَرَجُلٌ رَهِقٌ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [يونس: ٢٧] وقال الأعشى: لا شي يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهَا ... هَلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ [[في ا، ح وفتح القدير للشوكاني: (عاشق).]] مَا لَمْ يُصِبْ رَهَقَا يَعْنِي إِثْمًا. وَأُضِيفَتِ الزِّيَادَةُ إِلَى الْجِنِّ إِذْ كَانُوا سَبَبًا لَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: فَزادُوهُمْ أَيْ إِنَّ الْإِنْسَ زَادُوا الْجِنَّ طُغْيَانًا بِهَذَا التَّعَوُّذِ، حَتَّى قَالَتِ الْجِنُّ: سُدْنَا الْإِنْسَ وَالْجِنَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَابْنُ زَيْدٍ: ازْدَادَ الْإِنْسُ بِهَذَا فَرَقًا وَخَوْفًا مِنَ الْجِنِّ. وَقَالَ سَعِيدُ ابن جُبَيْرٍ: كُفْرًا. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِالْجِنِّ دُونَ الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ كُفْرٌ وَشِرْكٌ. وَقِيلَ: لَا يُطْلَقُ لَفْظُ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنِّ، فَالْمَعْنَى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ مِنْ شَرِّ الجن بِرِجَالٍ مِنَ الْإِنْسِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْإِنْسِ يَقُولُ مَثَلًا: أَعُوذُ بِحُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ مِنْ جِنِّ هَذَا الْوَادِي. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَفِي هَذَا تَحَكُّمٌ إِذْ لَا يَبْعُدُ إِطْلَاقُ لَفْظِ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنِّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً﴾ هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِنْسِ أَيْ وَأَنَّ الْجِنَّ ظَنُّوا أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَمَا ظَنَنْتُمْ. الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنَى: ظَنَّتِ الْجِنُّ كَمَا ظَنَّتِ الْإِنْسُ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ [[جملة: (إلى خلقه) ساقطة من ح، و.]] يُقِيمُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ. وَكُلُّ هَذَا تَوْكِيدٌ لِلْحُجَّةِ عَلَى قُرَيْشٍ، أَيْ إِذَا آمَنَ هَؤُلَاءِ الْجِنُّ بِمُحَمَّدٍ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب