الباحث القرآني

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ فِيهِ مَحْذُوفٌ، أَيْ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ مَنَازِلَ. (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً) أَيْ تَبْنُونَ الْقُصُورَ بِكُلِّ مَوْضِعٍ. (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) اتَّخَذُوا الْبُيُوتَ فِي الْجِبَالِ لِطُولِ أَعْمَارِهِمْ، فَإِنَّ السُّقُوفَ وَالْأَبْنِيَةَ كَانَتْ تَبْلَى قَبْلَ فَنَاءِ أَعْمَارِهِمْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ. وَفِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ فَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى فَعَلَ يَفْعَلُ. الثَّانِيَةُ- اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ أَجَازَ [[كذا في ك وفي ج: اختار جواز البناء. وفى ب وى: أجاز جواز.]] الْبِنَاءَ الرَّفِيعَ كَالْقُصُورِ وَنَحْوِهَا، وَبِقَوْلِهِ:" قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [[راجع ص ١٩٥ من هذ الجزء.]] ". ذُكِرَ أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بَنَى دَارًا وَأَنْفَقَ فِيهَا مَالًا كَثِيرًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ بِنَاءً يَنْفَعُهُ. وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: (إِذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ). وَمِنْ آثَارِ النِّعْمَةِ الْبِنَاءُ الْحَسَنُ، وَالثِّيَابُ الْحَسَنَةُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً جَمِيلَةً بِمَالٍ عَظِيمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَقَدْ يَكْفِيهِ دُونَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ. وَكَرِهَ ذَلِكَ آخَرُونَ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا أَهْلَكَ مَالَهُ فِي الطِّينِ وَاللَّبِنِ). وَفِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: (مَنْ بَنَى فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ على عنقه). قلت: بهذا أقول، لقول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَمَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّ خَلَفَهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مَا كَانَ فِي بُنْيَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ (. رَوَاهُ جابر بن عبد الله وخرجه الدارقطني. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ [[الجلف بالكسر: الخبز وحده لا أدم معه. وقيل: الخبز الغليظ اليابس.]] الْخُبْزِ وَالْمَاءُ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ أَيْ نِعَمَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ مَضَى فِي" آلِ عِمْرَانَ [[راجع ج ٤ ص ٣٣٠.]] "الْقَوْلُ فِيهِ." وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ [[راجع ج ١ ص ٤٢١.]]). وَالْعِثِيُّ وَالْعُثُوُّ لُغَتَانِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ "تِعْثَوْا" بِكَسْرِ التَّاءِ أَخَذَهُ مِنْ عَثِيَ يَعْثَى لا من عثا يعثو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب