الباحث القرآني

وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) أَيْ بَيْنَ النَّارِ وَالْجَنَّةِ- لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُهُمَا- حاجز، أسور. وَهُوَ السُّورُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ:" فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ [[راجع ج ١٧ ص ٢٤٥.]] ". (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) أَيْ عَلَى أَعْرَافِ السُّورِ، وَهِيَ شُرَفُهُ. وَمِنْهُ عُرْفُ الْفَرَسِ وَعُرْفُ الدِّيكِ. رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي [[كذا في أو ج وك. وفى ز: ابن أبى زيد. والظاهر: ابن زيد. راجع ج ١٢ ص ٢٦٤.]] يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْرَافُ الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْرَافُ سُورٌ لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. وَالْأَعْرَافُ فِي اللُّغَةِ: الْمَكَانُ الْمُشْرِفُ، جَمْعُ عُرْفٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: سَأَلْتُ الْكِسَائِيَّ عَنْ وَاحِدِ الْأَعْرَافِ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَعْرَافُ سُورٌ لَهُ عُرْفٌ كَعُرْفِ الدِّيكِ. فَقَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ، وَاحِدُهُ يَعْنِي، وَجَمَاعَتُهُ أَعْرَافٌ، يَا غُلَامُ، هَاتِ الْقِرْطَاسَ، فَكَتَبَهُ. وَهَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ. الْمَدْحِ، كَمَا قَالَ فِيهِ:" رِجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [[كذا في أو ج وك. وفى ز: ابن أبى زيد. والظاهر: ابن زيد. راجع ج ١٢ ص ٢٦٤.]] " وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي مُسْنَدِ خَيْثَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ (فِي آخِرِ الْجُزْءِ الْخَامِسَ عَشَرَ) حَدِيثٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ صوابه [[الصؤابة: بيضة القملة.]] دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مثقال صوابه دخل النار). قيل: يا وسول اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؟ قَالَ: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ) (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. وَقِيلَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقِيلَ هُمْ فُضَلَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَالشُّهَدَاءِ، فَرَغُوا مِنْ شَغْلِ أنفسهم، وتفرغوا لمطالعة حال الناس، فإذا رَأَوْا أَصْحَابَ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى النَّارِ، فَإِنَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ كُلَّ شي، وَخِلَافُ الْمَعْلُومِ مَقْدُورٌ. فَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ يَرْجُونَ لَهُمْ دُخُولَهَا. وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ: هُمُ الْمُسْتَشْهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ خَرَجُوا عُصَاةً لِآبَائِهِمْ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَّهُ تَعَادَلَ عُقُوقُهُمْ وَاسْتِشْهَادُهُمْ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قول عَزَّ وَجَلَّ: "وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ" قَالَ: الْأَعْرَافُ مَوْضِعٌ عَالٍ عَلَى الصِّرَاطِ، عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجَعْفَرُ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، يَعْرِفُونَ مُحِبِّيهِمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ وَمُبْغِضِيهِمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ أَنَّهُمْ عُدُولُ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَهُمْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ، وَقَالَ: وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ، فَهُمْ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُمْ قَوْمُ أَنْبِيَاءَ. وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ صَغَائِرُ لَمْ تُكَفَّرْ عَنْهُمْ بِالْآلَامِ وَالْمَصَائِبِ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ لَهُمْ كَبَائِرُ فَيُحْبَسُونَ عَنِ الْجَنَّةِ لِيَنَالَهُمْ بِذَلِكَ غَمٌّ فَيَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ صَغَائِرِهِمْ. وَتَمَنَّى سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُمْ مُذْنِبُونَ. وَقِيلَ: هُمْ أَوْلَادُ الزِّنَى [[في ع: الزناة.]]، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: هُمْ مَلَائِكَةٌ مُوَكَّلُونَ بِهَذَا السُّورِ، يُمَيِّزُونَ الْكَافِرِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، ذَكَرَهُ أَبُو مِجْلَزٍ. فَقِيلَ لَهُ: لَا يُقَالُ لِلْمَلَائِكَةِ رِجَالٌ؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ ذُكُورٌ وَلَيْسُوا بِإِنَاثٍ، فَلَا يَبْعُدُ إِيقَاعُ لَفْظِ الرِّجَالِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أُوقِعَ عَلَى الْجِنِّ فِي قَوْلِهِ:" وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ [[راجع ج ١٩ ص ٨.]] " فَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ يَعْرِفُونَ المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم، فيبشرون المؤمنين فبدخولهم الْجَنَّةَ وَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ فَيَطْمَعُونَ فِيهَا. وَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ النَّارِ دَعَوْا لِأَنْفُسِهِمْ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّازِمُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ عَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَأَخَّرُ دُخُولُهُمْ وَيَقَعُ لَهُمْ مَا وُصِفَ من الاعتبار في الفريقين أَيْ بِعَلَامَاتِهِمْ، وَهِيَ بَيَاضُ الْوُجُوهِ وَحُسْنُهَا فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَوَادُهَا وَقُبْحُهَا فِي أَهْلِ النَّارِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ حَيِّزِ هَؤُلَاءِ وحيز هؤلاء. قُلْتُ: فَوُقِفَ عَنِ التَّعْيِينِ لِاضْطِرَابِ الْأَثَرِ وَالتَّفْصِيلِ، وَاللَّهُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ عَلِيمٌ. ثُمَّ قِيلَ: الْأَعْرَافُ جَمْعُ عُرْفٍ وَهُوَ كُلُّ عَالٍ مُرْتَفِعٍ، لِأَنَّهُ بِظُهُورِهِ أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْخَفِضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأعراف شر ف الصِّرَاطِ. وَقِيلَ: هُوَ جَبَلُ أُحُدٍ يُوضَعُ هُنَاكَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَكَرَ الزَّهْرَاوِيُّ حَدِيثًا أَنَّ رسول الله ﷺ قال: (إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَإِنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَمْثُلُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يُحْبَسُ عَلَيْهِ أَقْوَامٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ هُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ (. وَذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:) إِنَّ أُحُدًا عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْجَنَّةِ (. قُلْتُ: وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:) أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ (. قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أَيْ نَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ. أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَيْ قَالُوا لَهُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى سَلِمْتُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ. لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يطعمون أَيْ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، أَيْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ. "وَهُمْ يَطْمَعُونَ" عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِمَعْنَى وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا. وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ طَمِعَ بِمَعْنَى عَلِمَ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، أَنَّ الْمُرَادَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، أَيْ قَالَ لَهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بَعْدُ وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَارِّينَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ. وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: "سَلامٌ عَلَيْكُمْ". وَعَلَى قَوْلِهِ: "لَمْ يَدْخُلُوها". ثُمَّ يَبْتَدِئُ "وَهُمْ يَطْمَعُونَ" عَلَى مَعْنَى وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "وَهُمْ يَطْمَعُونَ" حَالًا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَمْ يَدْخُلْهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَارُّونَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ طَامِعِينَ، وَإِنَّمَا دَخَلُوهَا غَيْرَ طَامِعِينَ فِي دُخُولِهَا، فَلَا يوقف على "لَمْ يَدْخُلُوها".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب