الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ﴾ أَيْ إِلَيْهِمَا. قِيلَ: دَاخِلَ الْجَنَّةِ بِإِدْخَالِ الْحَيَّةِ إِيَّاهُ وَقِيلَ: مِنْ خَارِجٍ بِالسَّلْطَنَةِ [[في ج: بالشيطة.]] الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي الْبَقَرَةِ. وَالْوَسْوَسَةُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ. وَالْوَسْوَسَةُ: حَدِيثُ النَّفْسِ يُقَالُ: وَسْوَسَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً وَوِسْوَاسًا (بِكَسْرِ الْوَاوِ). وَالْوَسْوَاسُ (بِالْفَتْحِ): اسْمٌ مِثْلُ الزَّلْزَالِ. وَيُقَالُ لِهَمْسِ الصَّائِدِ وَالْكِلَابِ وَأَصْوَاتِ الْحَلْيِ: وَسْوَاسٌ. قَالَ الأعشى: تَسْمَعُ لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إِذَا انْصَرَفَتْ ... كَمَا اسْتَعَانَ بِرِيحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ [[العشرق كزبرج: شجر قدر ذراع له حب صغار إذا جف صوت بمر الريح.]] وَالْوَسْوَاسُ: اسْمُ الشَّيْطَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ [[راجع ج ٢٠ ص ٢٦١.]]). (لِيُبْدِيَ لَهُما) أَيْ لِيُظْهِرَ لَهُمَا. وَاللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ كَمَا قَالَ (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [[راجع ج ١٣ ص ٢٥٢.]]) وَقِيلَ: لام كي و (وُورِيَ) أَيْ سُتِرَ وَغُطِّيَ عَنْهُمَا. وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ القرآن أورى مثل أقتت ومن سوءاتهما من (عوراتها [[من ج وك وى.]]) وَسُمِّيَ الْفَرْجُ عَوْرَةً لِأَنَّ إِظْهَارَهُ يَسُوءُ صَاحِبَهُ. وَدَلَّ هَذَا عَلَى قُبْحِ كَشْفِهَا فَقِيلَ: إِنَّمَا بدت سوءاتهما لَهُمَا لَا لِغَيْرِهِمَا كَانَ عَلَيْهِمَا نُورٌ [[النور بفتح النون: الزهر.]] لَا تُرَى عَوْرَاتُهُمَا فَزَالَ النُّورُ. وَقِيلَ: ثَوْبٌ فَتَهَافَتَ [[تهافت: تساقط.]]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) (أَنْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، بِمَعْنَى إِلَّا، كَرَاهِيَةَ أَنْ فحذف المضاف. هذا قول البصرين. وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ: لِئَلَّا تَكُونَا. وَقِيلَ: أَيْ إِلَّا أَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ تَعْلَمَانِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَقِيلَ طَمِعَ آدَمُ فِي الْخُلُودِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَمُوتُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَضْلَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَمِنْهَا هَذَا وَهُوَ (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ). وَمِنْهُ (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ [[راجع ج ٩ ص ٢٥.]]). ومنهَ- لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [[راجع ج ٦ ص ٢٦.]] وَقَالَ الْحَسَنُ: فَضَّلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ بِالصُّوَرِ. وَالْأَجْنِحَةِ وَالْكَرَامَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فَضَّلَهُمْ جَلَّ وَعَزَّ بِالطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، فَلِهَذَا يَقَعُ التَّفْضِيلُ في كل شي. وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ. لَا حُجَّةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَلَكَيْنِ فِي أَلَّا يَكُونَ لَهُمَا شَهْوَةٌ فِي طَعَامٍ. وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالزَّجَّاجِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَفْضِيلُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ مَضَى فِي الْبَقَرَةِ [[راجع ج ١ ص ٢٨٩.]]. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فُضِّلُوا عَلَى الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، غَيْرَ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ رُسُلِ اللَّهِ. وَتَمَسَّكَ كُلُّ فَرِيقٍ بِظَوَاهِرَ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ "مَلِكَيْنِ" بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ يَحْيَى بْنِ أَبِي [[من ب وع وز.]] كَثِيرٍ وَالضَّحَّاكِ. وأنكر أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ كَسْرَ اللَّامِ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ قَبْلَ آدَمَ ﷺ. مَلِكٌ فَيَصِيرَا مَلِكَيْنِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِسْكَانُ اللَّامِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَاهُمَا الْمَلْعُونُ مِنْ جِهَةِ الْمُلْكِ، وَلِهَذَا قَالَ:" هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى [[راجع ج ١١ ص ٢٥٤.]] ". وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ احْتِجَاجَ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِقَوْلِهِ: "وَمُلْكٍ لَا يَبْلى " حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا فلهذا تركناها. قال النحاس: "إلا أن تكون مُلْكَيْنِ" قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ. وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ هَذَا الْكَلَامَ، وَجُعِلَ مِنَ الْخَطَأِ الْفَاحِشِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مُلْكِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ غَايَةُ الطَّالِبِينَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى "وَمُلْكٍ لَا يَبْلى " الْمُقَامُ فِي مُلْكِ الْجَنَّةِ، وَالْخُلُودُ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب